مع اقتراب الصراع الأوكراني الروسي من عامه الثالث، يبدو أن أوراق اللعبة السياسية والعسكرية قد تشهد تغيرات مفاجئة، وتحديدًا داخل أروقة الحكومة الأوكرانية نحو التفاوض لإنهاء الحرب.
كان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينكسي، والعديد من المسؤولين في كييف أدلوا، خلال الأيام الماضية، بتصريحات غير متوقعة، بعد تراجع الدعم الغربي، وتقدم القوات الروسية بشكل كبير داخل الأراضي الأوكرانية.
وكانت البداية، بعد تحفظ الغرب على خطة النصر التي عرضها الرئيس زيلينكسي في أمام الاتحاد الأوروبي في بروكسل.
وأعقب ذلك دعوة وزير الخارجية الأوكراني أندريه سيبيها، مصر للمشاركة في تنسيق بنود صيغة سلام بين أوكرانيا وروسيا، وأيضًا المشاركة في قمة السلام العالمية الثانية، التي يُجرى الاستعداد لها حاليًا.
وخلال الأيام الماضية، أعلن رئيس مكتب فلاديمير زيلينسكي، أندريه إرماك، ضرورة العودة إلى حدود العام 2022 من أجل بدء التفاوض على تسوية الصراع الأوكراني.
وهذا الوضع الذي كانت عليه روسيا وأوكرانيا قبل عامين في الساعة الرابعة صباحًا عندما سمعت الطلقة الأولى، ثم سنتحدث عن كيفية إعادة سيادتنا إلى حدود العام 1991، مؤكدًا أن زيلينسكي ليس مستعدًا لتقديم تنازلات إقليمية، لكنه مستعد للتفاوض.
ومع هذا الإعلان بضرورة العودة إلى حدود 2022، يبقى التساؤل الأبرز، هل هذا الإعلان يعد بمثابة اعتراف أوكراني بروسية شبه جزيرة القرم؟.
ضمت روسيا شبه الجزيرة، في آذار/مارس العام 2014، بعاصمتها سيمفروبول، بعد أن كانت جزءًا من الأراضي الأوكرانية منذ العام 1954.
إلى ذلك، قال خبراء في الشأن الروسي إن "المبادرة الأوكرانية لعودة الوضع لما كان عليه قبل 2022، ما هي إلى مناورة أوكرانية تستهدف منح الجيش بعض الوقت من الراحة لإعادة تسليحة وترتيب صفوفة لمعاودة الحرب".
وأكد الخبراء في تصريحات لـ"إرم نيوز" أن روسيا غير مهتمة بهذا الطرح نهائيًا، نظرًا لأنه طرح غير واقعي، بعد استمرار تواجد القوات الأوكرانية في مقاطعة كورسك الروسية.
وقال ديمتري بريجع، مدير وحدة الدراسات الروسية في مركز الدراسات العربية الأوراسية، إن شبه جزيرة القرم كانت ضمن الاتحاد الروسي وفقًا لاتفاقية مينسك العام 2022، حيث تتعلق اتفاقية مينسك بالمناطق التي سيطر عليها المتمردون في شرق أوكرانيا في الوقت الذي كانت فيه شبه جزيرة القرم جزءًا من روسيا.
وأضاف بريجع تصريحات خاصة لـ"إرم نيوز" أن أوكرانيا لم تعترف، ولو بشكل جزئي، بأن شبه جزيرة القرم جزءً من روسيا، وتؤكد دائمًا أنها جزء من أراضيها لا يمكن استرجاعها.
واعتبر أن الدعوة الأوكرانية للرجوع إلى حدود العام 2022 ما هي إلا خطوة لالتقاط الأنفاس في ظل الهزائم المتتالية للجيش الأوكراني على كافة الجبهات، وفي المقابل تتقدم روسيا بقوة داخل الأراضي الأوكرانية.
وأشار إلى أنه من الصعب العودة إلى حدود 2022، لأن روسيا من خلال الحرب، فرضت واقعًا جديد، وعلى أوكرانيا القبول به، خاصةً أن موسكو لن تتخلى عن الأراضي التي سيطرت عليها خاصة المقاطعات الأربعة في شرق أوكرانيا لأنها أصبحت روسية بموجب الدستور الروسي.
من ناحيته، أكد الدكتور آصف ملحم، مدير مركز "JSM" للأبحاث والدراسات، أن أوكرانيا تحاول بكل الطرق والوسائل إيقاف الزحف الروسي، نظرًا لأن موسكو نجحت ومازالت تمارس الضغط بقوة في جميع المحاور والجبهات، وضمت المزيد من الأراضي.
وأضاف ملحم لـ"إرم نيوز" أن القوات الأوكرانية في حالة سيئة للغاية من حيث العتاد والسلاح لدرجة أن التعبئة تتم في أوكرانيا بشكل كبير كمًا ونوعًا".
وأردف: "فإن استمرار أوكرانيا في هذه المعركة يعد أمرًا صعبًا للغاية، حيث من المتوقع أن تتهاوى أو تُضطر للانسحاب والاستسلام أمام روسيا".
وأوضح أن المقترحات التي يتم الحديث عنها خاصة عودة الحدود بين البلدين- كييف وموسكو - إلى حدود العام 2022، والاعتراف بحدود مؤقتة، تهدف لمنح فترة من الاستراحة لصالح الجيش الأوكراني، وإعادة ترتيب أوراقه وتسليحه من جديد ثم يخوض المعركة مع روسيا من جديد.
وبين أن قضية شبه جزيرة القرم معقدة بشكل كبير بسبب طرح فكرة العودة لحدود العام 2022 مع استمرارية التفاوض للوصول إلى حدود العام 1991.
وتابع: "بالتالي فإن المشكلة لا تكمن في الاعتراف بسيادة روسيا على الأراضي التي ضمتها، وتحديدًا لوغانسك ودونيتسك مع شبه جزيرة القرم، وبذلك تتوقف الحرب، الأمر الذي يعني أن تضم روسيا تلك المناطق وتتنازل عن زاباروجيا، وخيرسون، على أن يستمر التفاوض حول هذه الأقاليم في المستقبل".
وأردف مدير مركز "JSM للأبحاث والدراسات أن "هذه المبادرة لا تتضمن أي اعتراف رسمي بالسيادة الروسية على شبه جزيرة القرم، وأن تبقى تلك الأراضي ضمن أراضي روسيا مع جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك، مما يجعل روسيا كأنها وضعت يدها على هذه الأراضي على أن يستمر التفاوض معها حول إعادتها للسياده الأوكرانية".
واعتبر الدكتور آصف ملحم، أن ما يجري مجرد مناورة تستهدف منح الجيش الأوكراني بعض الوقت من الراحة لإعادة تسليحة وترتيب صفوفة لمعاودة الحرب.
وأكد أن روسيا غير مهتمة بهذا الطرح نهائيًا، خاصةً أنه طرح غير واقعي بالمرة، وأن القوات الأوكرانية ما زالت موجودة في مقاطعة كورسك الروسية.
وختم قائلاً إنه من المستحيل لروسيا أن تثق في أوكرانيا، بعد أن قامت كييف بهجوم مباغت على كورسك الروسية، وقبلها كان زيلينسكي وعدد من المسؤولين الغربيين يتفوهون بإمكانية حدوث سلام بين روسيا وأوكرانيا، وتبين فيما بعد تخطيطهم لشيء آخر.