اعتبر خبراء أن جولة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الآسيوية جاءت في سياق التحولات الجيوسياسية المتسارعة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
وأشار الخبراء إلى أن هذا التحرك استراتيجي مدروس لتعزيز النفوذ الفرنسي في واحدة من أكثر المناطق تنافسًا في العالم.
ولم تكن الزيارة مجرد مناسبة دبلوماسية، بل مثلت منصة لعقد شراكات عسكرية واقتصادية، ونافذة لإعادة تموضع فرنسا كفاعل مستقل في التوازنات الدولية بعيدًا عن محوري بكين وواشنطن.
وأنهى ماكرون جولته بتوقيع اتفاقيات نوايا لبيع أسلحة فرنسية متطورة لإندونيسيا، ما يعزز مكانة فرنسا كثاني أكبر مزود للعتاد العسكري في جنوب شرق آسيا بعد الولايات المتحدة.
وقالت سيلين باجون، رئيسة برنامج اليابان والمحيطين الهندي والهادئ في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (IFRI)، إن زيارة ماكرون تعكس تحولًا استراتيجيًا في سياسة فرنسا الخارجية.
وأضافت باجون لـ"إرم نيوز" أن "فرنسا تسعى لتأكيد حضورها كقوة فاعلة في هذه المنطقة، من خلال تعزيز الشراكات الدفاعية والاقتصادية، خاصة مع دول مثل إندونيسيا التي تسعى لتنويع مصادر تسليحها".
وأشارت إلى أنه "في دفعة قوية للصناعات الدفاعية الفرنسية، نجحت باريس في تسجيل "ضربة موفقة" في آسيا، بعد أن أعلنت جاكرتا رغبتها في شراء دفعة جديدة من مقاتلات "رافال" المتطورة وعدد من المعدات العسكرية الأخرى "المصنوعة في فرنسا".
وجاء ذلك بالتزامن مع زيارة ماكرون إلى إندونيسيا، حيث وقّع وزير الجيوش الفرنسي، سيباستيان لوكورنو، ونظيره الإندونيسي رسالة نوايا تمهّد لصفقات تسليح محتملة، تعكس تنامي الشراكة الاستراتيجية بين البلدين في وقت تشهد فيه المنطقة تنافسًا محتدمًا بين القوى الكبرى على أسواق السلاح.
وبذلك، لم تعد آسيا بالنسبة لفرنسا مجرد فضاء بعيد، بل باتت ساحة حيوية لتعزيز الشراكات، والدفاع عن تعددية الأقطاب، وترسيخ حضور فرنسي ذي طابع استراتيجي طويل الأمد.
وأردفت باجون: "في جولة آسيوية حافلة بالاتفاقيات والرسائل الاستراتيجية، نجح ماكرون في تعزيز مكانة فرنسا كشريك موثوق في منطقة جنوب شرق آسيا.
وأوضحت أنه "من خلال توقيع صفقات تسليح كبرى مع إندونيسيا، وتأكيد التزامه بالتعاون الاقتصادي والدفاعي، يسعى ماكرون إلى ترسيخ حضور فرنسا في المنطقة، في ظل التوترات المتصاعدة بين الصين والولايات المتحدة".
وتابعت:" أما المكسب الأهم، فهو إعادة تأكيد رؤية ماكرون لـ "الاستقلالية الاستراتيجية الأوروبية"، والتي يجد لها في آسيا شركاء راغبين في التنويع والانفتاح على خيارات خارج ثنائية القوى العظمى".
وتتضمن الطلبات المحتملة مقاتلات رافال من إنتاج شركة داسو للطيران، وفرقاطات خفيفة، وغواصات سكوربين التي تصممها مجموعة نافال، بالإضافة إلى مدافع قيصر من شركة KNDS.
ولم يُحدد عدد الطائرات، لكن وفقًا لصحيفة "لا تريبين" الفرنسية، التي استندت إلى مصادر متطابقة، قد تكون جاكرتا مهتمة بشراء ما بين 8 إلى 16 مقاتلة فرنسية.
وبدلًا من الاعتماد على الموردين التقليديين مثل روسيا والولايات المتحدة، يبدو أن إندونيسيا تفضل العرض الفرنسي وكذلك الطائرات الصينية، وفقًا لمواقع متخصصة.
ولا تزال العقود المستقبلية قيد المناقشة، حيث أن رسالة النوايا ليست اتفاقية شراء، وقد يتم التوقيع على الاتفاقيات على هامش عرض 14 يوليو، الذي دُعي إليه الرئيس الإندونيسي برابوو سوبيانتو كضيف شرف.
وسبق أن طلبت إندونيسيا 42 مقاتلة رافال عام 2022، ومن المتوقع أن تبدأ عمليات التسليم عام 2026.
كما وقعت البلاد عقدًا مع مجموعة نافال عام 2024 لشراء غواصتين من طراز سكوربين (من المقرر تسليمهما عام 2031)، وتمتلك بالفعل مدافع قيصر منذ عام 2012.
بالإضافة إلى هذه المعدات الفرنسية، طلبت إندونيسيا أيضًا طائرتي نقل من طراز A400M عام 2021، ومن المقرر تسليمهما بنهاية عام 2025.
من جانبه، قال أوليفييه غييار، باحث مشارك في معهد الدراسات الجيوسياسية التطبيقية، إن ماكرون يهدف إلى تقديم فرنسا كبديل موثوق في منطقة تشهد تنافسًا بين القوى الكبرى.
وأضاف غييار لـ"إرم نيوز": "من خلال هذه الزيارة، يحاول ماكرون تعزيز مكانة فرنسا كقوة متوسطة تقدم شراكات قائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، بعيدًا عن الضغوط التي تمارسها القوى الكبرى الأخرى".
وتُظهر جولة ماكرون في آسيا التزام فرنسا بتعزيز علاقاتها في منطقة الإندوباسيفيك، من خلال صفقات تسليح كبرى وشراكات استراتيجية، ما يعكس طموح باريس في لعب دور محوري في التوازنات الجيوسياسية في المنطقة.
يُصادف عام 2025 الذكرى الخامسة والسبعين للشراكة الثنائية بين فرنسا وإندونيسيا، التي بدأت في عام 1950، وتم توقيع شراكة استراتيجية في جاكرتا عام 2011، وتنص على "تعاون أوثق" في مجال الدفاع و"تعاون استراتيجي طويل الأمد".
وتُعد إندونيسيا ثاني أكبر عميل لفرنسا في مجال الأسلحة في جنوب شرق آسيا (بعد الهند)، حيث تمثل 15% من واردات الأسلحة في البلاد، خلف الولايات المتحدة (33%)، وفقًا لبيانات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI).