اعتبر خبراء أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يسعى من خلال زيارته إلى فيتنام، لترسيخ موقع فرنسا كـ"قوة توازن" في منطقة آسيا-الهادئ.
ويعد ماكرون فرنسا، كبديل جيوسياسي، يعوض الدول عن الاصطفاف خلف الولايات المتحدة أو الصين، في وقت تتصاعد فيه التوترات الإقليمية وتحتدم المنافسة بين القوتين العظميين على النفوذ في جنوب شرق آسيا.
وقال الباحث في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية بيير جيليو، إن "زيارة ماكرون إلى فيتنام تحمل طابعًا رمزيًا واستراتيجيًا".
وأضاف جيليو لـ"إرم نيوز"، أن "الزيارة لا تعيد فقط وصل الماضي الاستعماري الحرج، بل ترسم ملامح نفوذ فرنسي جديد في منطقة آسيا-المحيط الهادئ المتأججة بالتوترات الجيوسياسية".
أما الباحثة الفرنسية كلارا ديفولفي من مركز "مونتان" للدراسات، فترى أن "ماكرون يستثمر في موقع فيتنام كدولة محورية في التوازنات الإقليمية، ويعرض شراكة اقتصادية وتكنولوجية يمكن أن تغني هانوي عن الارتهان الكامل لأي من القوتين العظميين" وفق تعبيرها.
وأشارت لـ"إرم نيوز"، إلى أنه في هذا السياق، تشكل "الدبلوماسية الناعمة" الفرنسية فرصة للبلدان الساعية إلى حماية سيادتها دون الانجرار إلى لعبة المحاور الكبرى.
وقالت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية في تعليقها على الزيارة: "لمَ لا تكون فرنسا؟، هكذا قدم إيمانويل ماكرون بلاده كبديل موثوق لدول جنوب شرق آسيا، في مستهل جولته الدبلوماسية التي انطلقت يوم الاثنين من فيتنام، في منطقة تعيش على وقع تصاعد التنافس التجاري والعسكري بين الصين والولايات المتحدة".
ورأت كلارا ديفولفي أنه "من هانوي، أعاد الرئيس الفرنسي التأكيد على تمسكه بنظام عالمي قائم على القانون، في مواجهة الاختلالات الكبرى وعودة منطق الهيمنة والترهيب، كما قال أمام نظيره الفيتنامي لونغ كوانغ، مشددًا على ضرورة التحرك المشترك من أجل الحفاظ على نظام قانوني دولي هو شرط لا غنى عنه للازدهار".
ولفتت إلى أن "فيتنام تواجه ضغطًا مزدوجًا من واشنطن، التي تهدد بفرض ضرائب جمركية باهظة على صادراتها، ومن بكين، التي ترتبط معها بعلاقات تاريخية ولكنها متوترة بسبب النزاعات البحرية في بحر الصين الجنوبي، معتبرة أن "عرض ماكرون فرنسا كقوة توازن يمكنها أن تكون شريكًا موثوقًا بعيدًا عن منطق الاستقطاب".
وأشارت ديفولفي إلى أن "خطاب ماكرون يتسق مع ما يسمى بالدبلوماسية البامبوزية التي تتبعها هانوي، والتي تقوم على المناورة الدقيقة بين القوى العظمى، من أجل تعظيم مكاسبها التجارية والسيادية" وفق قولها.
الزيارة التي ستقوده أيضًا إلى إندونيسيا وسنغافورة هذا الأسبوع، حملت طابعًا عمليًا كذلك. فقد وُقِّع خلال اليوم الأول منها 13 اتفاقًا ثنائيًا، شملت مجالات حيوية كالنقل والطاقة النووية والأقمار الصناعية.
ومن أبرز ما أُعلن، صفقة بين شركة Vietjet Air وشركة إيرباص لشراء 20 طائرة A330-900، تضاف إلى عقد مماثل وُقع العام الماضي.
وقال ماكرون "إنها صفحة جديدة نكتبها بين بلدينا... بل إنها رغبة في كتابة صفحة أكثر طموحًا بين فيتنام وفرنسا، وبين رابطة آسيان والاتحاد الأوروبي".
وكان الرئيس الفرنسي قد بدأ يومه بزيارة رمزية إلى نصب تكريمي لمقاتلي حرب الهند الصينية الذين خاضوا نضالًا ضد الاستعمار الفرنسي بين 1946 و1954.
كما التقى نظيره الفيتنامي، ومن المرتقب أن يستقبله لاحقًا الأمين العام للحزب الشيوعي تو لام، الرجل الأقوى في النظام الفيتنامي، والذي سبق أن زار باريس في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وفي خضم اشتداد الصراع بين الصين والولايات المتحدة على النفوذ في المنطقة، يعرض ماكرون "الطريق الثالث" كخيار للدول الباحثة عن الاستقلالية.
أحد كبار الدبلوماسيين الفرنسيين قال، إن "فيتنام تقف على خط التماس الأول مع التوترات المتصاعدة في بحر الصين الجنوبي"، بحسب صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية.
وإلى جانب الصين، لا يغيب عن الأذهان الضغط الأمريكي المتواصل، خصوصًا مع عودة دونالد ترامب إلى الواجهة السياسية، وفرضه سابقًا رسومًا جمركية بنسبة 46% على صادرات فيتنام، تم تعليقها لاحقًا، بينما تبقى واشنطن السوق الأكبر لصادرات هانوي الصناعية.
ومنذ 2018، يروج ماكرون لاستراتيجية "الهند والمحيط الهادئ" كخيار ثالث، عبر عنها خلال زياراته للهند والمحيط الهادئ.
واليوم، يرى مستشاروه أنها تكتسب شرعية مضاعفة بعد عودة ترامب والتهديدات بسياسات تجارية حمائية.