أثار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الجدل مجددًا بتصريح لافت خلال مشاركته في منتدى سان بطرسبرغ الاقتصادي، قال فيه إن بلاده لا تستبعد السيطرة على مدينة سومي الأوكرانية، رغم تأكيده في الوقت ذاته أن موسكو لا تسعى إلى استسلام أوكرانيا.
تصريح بوتين جاء بالتزامن مع مواصلة الجيش الروسي تقدمه على مختلف الجبهات، خاصة في شمال شرقي أوكرانيا، حيث توغلت القوات الروسية لمسافة 12 كيلومترًا داخل منطقة سومي.
وتُعد مدينة سومي واحدة من أقرب المدن الأوكرانية إلى الحدود الروسية؛ إذ تقع على بعد نحو 30 كيلومترًا فقط؛ ما يمنحها أهمية استراتيجية كبرى في الحسابات العسكرية لموسكو.
وفي وقت سابق، أكد الكرملين أن الهدف من العمليات في تلك المنطقة لا يقتصر فقط على التقدم العسكري، بل يتضمن أيضًا إنشاء «منطقة عازلة» لمنع تكرار الهجمات الأوكرانية على الأراضي الروسية، كتلك التي حدثت العام الماضي في منطقة كورسك المجاورة لسومي، والتي شهدت توغلات أوكرانية مفاجئة.
وأكد خبراء في الشؤون الروسية أن مدينة سومي تمثل موقعًا استراتيجيًا بالغ الأهمية نظرًا لقربها من الحدود الروسية؛ ما يجعلها خط الدفاع الأول في مواجهة الهجمات الأوكرانية المتكررة على المدن الروسية.
وأشار الخبراء لـ«إرم نيوز» إلى أن دخول القوات الروسية إلى أطراف المدينة يعكس تحولًا في مسار العمليات العسكرية، خاصة بعد التصعيد الأوكراني في مقاطعة كورسك؛ ما يجعل السيطرة الكاملة على سومي خيارًا مفتوحًا أمام موسكو لحماية أمنها الإقليمي.
وأضاف الخبراء أن سومي قد تكون بوابة لإنشاء منطقة عازلة واسعة، وهو ما يتماشى مع تصريحات القيادة الروسية بشأن ضرورة إبعاد التهديدات عن حدودها.
وأوضحوا أن موسكو باتت تتعامل مع فكرة الحزام الأمني كضرورة دفاعية، وليس كخيار هجومي، وأن التوسع في سومي مرتبط بوجود قوات أجنبية داعمة لأوكرانيا، وأن استمرار الدعم الغربي لكييف قد يدفع روسيا لتوسيع عملياتها العسكرية وضمان عمق أمني دائم عند حدودها الغربية.
وفي هذا الإطار، قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة موسكو، د. نزار بوش، إن الجيش الروسي بعد أن حرر منطقة كورسك التي دخلها الجيش الأوكراني في مغامرة غير محسوبة على ما يبدو، انتقل الآن إلى ما هو أبعد من مجرد تحرير هذه المنطقة.
وكان الرئيس الروسي قد صرح في وقت سابق بأن بلاده تعتزم إنشاء منطقة عازلة لتفادي الهجمات الأوكرانية، وإبعاد الأهداف العسكرية عن الحدود الروسية، لا سيما مع تعرض المدن الروسية الحدودية لقصف شبه يومي.
وأضاف بوش، لـ"إرم نيوز"، أن الجيش الروسي يتقدم حاليًا على طول الجبهة، وقد دخل منطقتي سومي وخاركيف، رغم أنهما لم تكونا ضمن الخطة الروسية الأصلية للتحرير.
وأشار إلى أنه من غير المستبعد السيطرة الكاملة على مدينة سومي، لا سيما أن جزءًا من أراضيها أصبح بالفعل تحت سيطرة القوات الروسية.
وأكد أنه إذا استمرت القوات الأوكرانية في استهداف المناطق الحدودية الروسية، فقد تجد موسكو نفسها مضطرة للسيطرة الكاملة على سومي، موضحًا أنه إذا تصاعد التوتر بين الجانبين وفشلت المفاوضات المقبلة، فمن المرجح أن تعتمد روسيا على سومي كمنطقة عازلة.
من جانبه، قال المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية، د. سمير أيوب، لـ"إرم نيوز"، إن الرئيس بوتين أوضح مؤخرًا أن مدينة سومي ليست هدف مباشر للقوات الروسية ضمن العملية العسكرية الحالية، التي تهدف إلى إنشاء منطقة أمنية عازلة لحماية الأمن القومي الروسي والمدن الحدودية.
وأشار أيوب إلى أن روسيا لم تكن تفكر في إقامة منطقة عازلة، لولا الهجوم الأوكراني على مقاطعة كورسك، التي تم تحريرها مؤخرًا من القوات الأوكرانية، بعد ارتكابها - بحسب وصفه - جرائم عديدة بحق المدنيين الروس.
وأوضح أن هذه التطورات أعادت التأكيد على ضرورة حماية المدن والمقاطعات الروسية؛ ما دفع موسكو للإعلان عن سعيها لإنشاء منطقة عازلة لا بهدف الدفاع فقط، بل أيضًا للرد على محاولات نظام كييف استعادة المناطق الخاضعة للسيطرة الروسية.
وقال أيوب إن روسيا قد تنشئ ما وصفه بـ"حزام أمني دفاعي" لتأمين حدودها بشكل دائم، مؤكدًا أن مدينة سومي ليست هدفًا مباشرًا، لكن الرئيس بوتين لم يستبعد إدخالها ضمن العمليات، خاصة مع وجود مرتزقة يقاتلون إلى جانب الجيش الأوكراني، فضلًا عن مستشارين غربيين.
ولفت إلى أن أوكرانيا ما كانت لتصل إلى مقاطعة كورسك لولا الدعم الاستخباراتي الغربي، وأن ما يجري حاليًا على الساحة الأوكرانية يُشير إلى استمرار تقدم القوات الروسية "مهما حاول الجيش الأوكراني الصمود.
وشدد أيوب على أن أوكرانيا ستدفع ثمنًا باهظًا إذا لم تلتزم بالمطالب الروسية، وعلى رأسها تحييدها ومنع انضمامها إلى حلف الناتو.
وأكد أن الجغرافيا الأوكرانية في حالة تراجع مستمر أمام التقدم الروسي، مشيرًا إلى أن موسكو تسيطر حاليًا على بلدات في دونيتسك وسومي وخاركيف.