أكد الأستاذ المساعد في جامعة "لوباتشيفسكي" الحكومية الروسية، عمرو الديب، أن مطالب موسكو المعروضة لإنهاء الحرب تُقرأ كمتطلبات لأمن الدولة لا كشروط تعجيزية.
وأشار الديب في حوار مع "إرم نيوز"، إلى أن هذه المطالب، والتي تتمثل في تأمين الحدود، ومنع تجميع القوات، وتوريد السلاح، وآليات مراقبة وقف النار، هي ذاتها التي دفعت موسكو للتحرك.
واعتبر أن تحقيق تلك المطالب سيمنح روسيا ما تعتبره ضمانات لأمنها القومي، ما يجعل استمرار الصراع بلا مبرر إذا ما التزمت الأطراف بها فعليًا.
وأضاف أن موقع انعقاد محادثات السلام ثانوي أمام مضمون الاتفاق، وأن موسكو ترحب بأي مبادرات إذا ترافق تنفيذ فعلي لشروطها، وأن المدى الاقتصادي والسياسي للغرب يدفعه للبحث عن مخرج.
ورأى أن مواقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تتأرجح بين الضغط والبراغماتية، بحسب موازين القوى على الأرض، وأن الانتصارات الميدانية الروسية تغيّر ديناميكيات التفاوض لصالح موسكو.
وتالياً نص الحوار:
- في ظل تصاعد التوتر على الأرض واستمرار الخسائر البشرية والمادية.. أصبح الإعلان عن شروط إنهاء الحرب محور اهتمام الجميع.. فما الشروط الأساسية التي طرحها بوتين، مؤخرًا، لوقف إطلاق النار وإنهاء الحرب؟
الرئيس بوتين وضع مطالب مرتبطة بالأمن القومي، ولا يمكن تسميتها بالشروط التعجيزية في البداية كما تصفها الدول الأوروبية، وأبرزها، انسحاب التهديدات من المناطق الحدودية مثل مناطق قريبة من كورسك، وأيضاً حظر تلقي أوكرانيا أسلحة أو تجميع قوات أثناء الهدنة، ووضع آلية موثوقة لمراقبة وقف النار وضمان الالتزام.
إن الهدف وضع ضوابط تمنع إعادة تصعيد الوضع، ومع تنفيذ هذه البنود تعتبر موسكو أن الظروف الناظمة لبدء إنهاء الحرب متوافرة.
بعد الولايات المتحدة، من المتوقع أن تكون فرنسا المكان الأنسب لعقد محادثات سلام مستقبلية، بفضل موقعها الدبلوماسي وقدرتها على الوساطة، كما تظل دول أوروبية أخرى مرشحة، والآن الغرب نفسه يريد إنهاء هذه الحرب بالنظر إلى التأثيرات التي لحقت به، خاصة الاقتصادية.
أما عن موقف الكرملين، فروسيا ترحب بأي مبادرات سلام ولا تهتم بمكان عقدها طالما أن الجميع متوافق ويريد فعلاً إنهاء الحرب ولكن في إطار الشروط والمطالب الروسية لأنه من دون تنفيذها لا فائدة من مكان عقد هذه اللقاءات.
موقف ترامب براغماتي يركّز على المصلحة الاقتصادية وموازين القوى؛ بعد سنوات من دعم غربي لم يتغير الواقع الميداني جذريًا، تراوحت تصريحاته بين تحذير ومرونة، وأن رسالته العملية إلى روسيا كانت بمثابة تحذير لعدم عرقلة أي مساعٍ لحسم النزاع، مع الإبقاء على خيار العقوبات كأداة ضغط، لكنه يدرك أن العقوبات وحدها لم تُحسم الملف عسكريًا أو سياسياً.
على الأرض روسيا حققت نجاحات ميدانية، من عمليات أدت إلى تدمير منظومات هجومية وتحديداً في زابوروجيا وفي عدة قرى بمناطق دونيتسك، إضافة إلى إسقاط مسيرات أوكرانية، وأن التحركات الأوكرانية الجديدة شملت محاولات تغيير خطوط المواجهة، والاعتماد على دعم خارجي، لكنها لم تحقق قلب المعادلة، ما أعطى روسيا دفعة للتفاوض من موقع قوة.
كييف تطالب بضمانات تشمل تكتيكات دفاعية وسياسية، من نشر قوات أو مراقبين دوليين على الحدود، واستعادة أو حماية حدود سابقة وهي إشارة لحدود 1991، بالإضافة إلى تحصينات دولية تمنع إعادة تسليح المناطق.
لكن معظم هذه الضمانات مرتبطة باعتبارات ومصالح حلفاء الغرب، وإذا لم تدمج ضمن إطار مقبول لموسكو ستبقى غير قابلة للتطبيق عمليًا.
ضمانات أمنية بدون آليات تنفيذ ودون توافق شامل مع موسكو غير كافية لردع قوة نووية أو لمنع جولات جديدة من التصعيد؛ فروسيا تعتبر التهديدات على حدودها أمراً حساسًا للغاية.
لذا فإن حضور قوات أجنبية دائم قد يفاقم التوتر، وأن الردع الحقيقي يحتاج لخطة متفق عليها تلبي مخاوف موسكو، وتشرك الضامنين في آليات رقابية قابلة للتنفيذ.
بوتين لا يبدو أنه راغب في استمرار الحرب بعد تحقيق أهدافه المعلنة، خاصة أن المطالب الروسية، كما سبق وقلنا، إنها ليست تعجيزية من منظوره بل شروط تمت إقامتها على أسس علمية، والتي حال تنفيذها ستجد موسكو مبررًا لإنهاء العمليات.
إن الواقع في إنهاء الحرب لن يتم بلا ضغوط دولية تمارس على كييف لتقديم تنازلات، وقد تكون تلك الضغوط هي العامل الحاسم، لا إرادة كييف وحدها.