رأى خبراء فرنسيون أن إعادة تفعيل العقوبات الأممية على إيران من قبل فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة بعد فشل المحادثات الأخيرة، تعكس مأزقًا دبلوماسيًا خطيرًا ستكون له تداعيات سياسية واقتصادية واسعة، حيث تجاوز سعر صرف الدولار حاجز 1,06 مليون ريال إيراني، في مستوى غير مسبوق يهدد استقرار البلاد.
واعتبر الخبراء أن العقوبات الأوروبية الأخيرة على إيران، في ظل انسداد الأفق الدبلوماسي، تفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التصعيد، لن تكون نتائجها محصورة في طهران وحدها، بل قد تُعيد خلط الأوراق في كامل الشرق الأوسط.
وقال الدكتور جان بيير ميلان، الباحث السياسي في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس لـ"إرم نيوز"، إن هذه العقوبات ليست مجرد ورقة ضغط اقتصادية، بل تمثل إشارة سياسية لنهاية مرحلة طويلة من المفاوضات النووية التي استمرت منذ توقيع اتفاق 2015.
وأضاف ميلان: "ما نشهده اليوم هو انهيار كامل لمسار المفاوضات، وفشل المحادثات لم يعد حادثًا عرضيًا، بل يعكس غياب الثقة المتبادلة بين طهران والعواصم الأوروبية".
ورأى أن إعادة العقوبات تعني إغلاق أوروبا الباب أمام أي حل وسط قصير المدى، ما قد يدفع إيران إلى تسريع برنامجها النووي أو توسيع شراكاتها مع موسكو وبكين.
وحذر من أن الوضع الحالي يشبه "طريقًا مسدودًا استراتيجيًا"، حيث لا توجد أدوات دبلوماسية كافية للحد من التصعيد، ما ينذر بموجة جديدة من الاضطرابات في المنطقة.
وأشار ميلان إلى أن الأزمة تتجاوز الملف النووي، فهي تعكس تآكل النفوذ الأوروبي في الشرق الأوسط: "عندما تعلن باريس وبرلين ولندن إعادة العقوبات، فإنها تفعل ذلك في وقت فقدت فيه أوروبا الكثير من أوراقها".
وأوضح أن إيران لم تعد تعتبر الاتحاد الأوروبي شريكًا تفاوضيًا جادًا، بل مجرد ذراع مكمل للسياسة الأمريكية، ما يضع الملف النووي تحت تأثير التجاذب الأمريكي-الإسرائيلي.
وذهب في تحليلاته إلى أن الانهيار المتسارع للعملة الإيرانية سيزيد من السخط الشعبي الذي شهدته البلاد منذ احتجاجات 2022، محذرا من أن "اقتصادا على شفا الانهيار مع ضغط اجتماعي متصاعد يمثل وصفة مثالية لعدم الاستقرار الداخلي، وقد تكون له ارتدادات إقليمية غير متوقعة".
من جهته، قال أنطوان لوران، الخبير الاقتصادي في مركز الدراسات المستقبلية والمعلومات الدولية بباريس لـ"إرم نيوز"، إن انهيار الريال الإيراني إلى ما فوق مليون ريال مقابل الدولار يعد "مؤشرًا على انهيار الثقة الكاملة في العملة المحلية".
وأشار لوران إلى أنه "منذ إعادة العقوبات الأمريكية عام 2018، أصبح الاقتصاد الإيراني معتمدًا بشكل متزايد على شبكات مالية غير رسمية، وستعني العقوبات الأوروبية الجديدة تضييق الخناق أكثر على تجارة النفط والتحويلات المالية، ما يحرم البنك المركزي الإيراني من أي قدرة على تثبيت سعر الصرف".
وأضاف: "النتيجة هي تسارع التضخم الذي يقترب بالفعل من 60%، وانهيار القوة الشرائية للطبقة المتوسطة".
وأوضح أن الاقتصاد الإيراني يدخل مرحلة "العزلة التامة"، حيث ستعتمد طهران بشكل متزايد على الصين وروسيا لتصريف نفطها، ما يضعها في موقع تفاوضي أضعف بكثير ويهدد بزيادة هشاشتها الاقتصادية على المدى الطويل.
وبحسب الخبير الفرنسي، يُتداول الدولار الآن بأكثر من 1.06 مليون ريال إيراني بعد فشل الجولة الأخيرة من المحادثات مع فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، ثم إعلان الدول الأوروبية الثلاث إعادة تفعيل العقوبات الأممية على طهران.
وتراجعت العملة الإيرانية مرة أخرى، مسجلة مستوى قياسيًا جديدًا بعد إعلان القوى الأوروبية إعادة فرض العقوبات، في سياق انسداد دبلوماسي حول الملف النووي الإيراني.
ولفتت صحيفة "لوكورييه" إنترناسيونال الفرنسية إلى أن اللقاء الذي جرى في جنيف بين الإيرانيين والأوروبيين لم يسفر عن أي نتيجة، ولم تُستأنف المفاوضات بين طهران وواشنطن منذ ذلك الحين، بينما انتهت المهلة التي حددتها فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة مع نهاية أغسطس دون التوصل إلى أي اتفاق بشأن متابعة المحادثات.
والشروط التي وضعتها الدول الأوروبية، ورفضتها طهران، تضمنت استئناف المفاوضات مع واشنطن، والسماح لمفتشي الأمم المتحدة بالوصول إلى المواقع النووية الإيرانية، وإعادة نحو 400 كيلوغرام من اليورانيوم عالي التخصيب، وفقًا للوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA).
وعقب ذلك، أعلنت الدول الثلاث المشاركة في الاتفاق التاريخي الموقع عام 2015 بشأن البرنامج النووي الإيراني أنها ستعيد اعتبارًا من أكتوبر تفعيل آلية العقوبات المنصوص عليها في الاتفاق، ما أثار مخاوف من مزيد من الضغوط على إيران، في وقت يعاني فيه الاقتصاد المحلي أصلاً تحت وطأة العقوبات الأمريكية.
وكانت العقوبات الأمريكية قد أعيد فرضها أحاديًا من طرف واشنطن عام 2018، بعد انسحاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في إدارته الأولى من الاتفاق، ثم جرى تشديدها تدريجيًا خلال السنوات التالية.
وكان الريال الإيراني قد شهد بالفعل هبوطًا حادًا في الفترة 2022-2023، في ظل احتجاجات "امرأة، حياة، حرية"، حيث كان الدولار يُتداول عند نحو 350 ألف ريال، وهو مستوى كان يُعتبر متدنيًا جدًا آنذاك.
لكن العملة المحلية واجهت موجة جديدة من التراجع، أولًا منذ اندلاع الحرب في غزة، ثم بعد إعادة انتخاب ترامب، وأخيرًا إثر اندلاع المواجهة المباشرة مع إسرائيل.