بعد أسابيع قليلة من انطفاء صراع كاد يتطور إلى حرب كبرى بين الهند وباكستان، تعجّ وسائل الإعلام في نيودلهي بخطابات مثيرة للقلق، لكن هذه المرة ضد الجارة الجنوبية، بنغلاديش.
وبحسب تقرير لمجلة "فوريس بوليسي"، فإن الهند تجد نفسها أمام مأزق جديد، مع التفاتها إلى الجنوب مشيعة أن هناك "مؤامرة دبرتها الصين وباكستان"، وأن بنغلاديش هي الأداة، محذرة من أن تصاعد الخطاب الدبلوماسي والإعلامي في نيودلهي قد يشعل صراعاً آخر.
وضع هش بين البلدين، إذ انزلقت العلاقات في غضون عدة أشهر إلى شكوك متبادلة، ومناورات استراتيجية ولعبة إلقاء اللوم الخطيرة، بحسب وصف "فورين بوليسي"، وذلك منذ منذ الإطاحة برئيسة وزراء بنغلاديش الشيخة حسينة في أغسطس/آب الماضي، عندما فقدت نيودلهي امتياز الوصول إلى دكا، حيث تتودد القيادة الجديدة علناً إلى بكين وإسلام آباد.
وبعد أسابيع على اشتباك الهند الأخير مع باكستان، فإن تحالف جارتها الشرقية مع أكبر خصمين لها، إلى الغرب والشمال، ليس خبراً مرحباً به، بل يذهب نحو "السيناريو الكابوسي" وهو أن بنغلاديش "المعادية"، قد تهدد بخنق ممر سيليجوري، مما يعزل الشمال الشرقي ويزعزع استقرار المنطقة، ثمّ يشعل الحرب التي لا تحتاج سوى إلى "الوقت المناسب".
وممر سيليجوري، الذي يبلغ عرضه 22 كيلومتراً عند أضيق نقطة، ويربط شمال شرق الهند ببقية أنحاء البلاد، يُعدّ الممر شريان حياة للولايات الهندية المتاخمة للصين وميانمار.
في مارس/ آذار الماضي، لم يُخفِ محمد يونس، الرئيس المؤقت لبنغلاديش، حديثه بشأن المنطقة خلال زيارة للصين في مارس/آذار، مما أثار استياء واسعاً في نيودلهي. وحثّ الصين على ترسيخ وجودها الاقتصادي في بنغلاديش من خلال تسليط الضوء على الموقع الاستراتيجي لبلاده.
وقال يونس: "شمال شرق الهند منطقة غير ساحلية تماماً، وتسيطر بنغلاديش تماماً على وصولها إلى المحيط. وممر سيليجوري هو الطريق الوحيد الذي يربط شمال شرق الهند ببقية أنحاء الهند، ويمر هذا الاتصال عبر بنغلاديش".
في الصين، أبدى يونس استعداداً جديداً للاستفادة من الموقع الجغرافي لتحقيق مكاسب دبلوماسية واقتصادية. ولم يكن هذا مجرد كلام، فقد أرسل الرئيس الصيني شي جين بينغ طائرة لنقل يونس إلى بكين، مشيراً إلى علاقات وثيقة.
كما منحت الصين صادرات بنغلاديش معفاة من الرسوم الجمركية بنسبة 100%، وتعهدت باستيراد المزيد من السلع منها. وحصل يونس على التزام صيني بتمويل قدره 2.1 مليار دولار، إلى جانب اتفاقيات تعاون في مجال البنية التحتية والتعاون العسكري.
ووفق "فورين بوليسي"، فإن استقواء بنغلاديش بالصين سيدفع الهند نحو تصعيد أكبر، مستحضرة توتراً عسكرياً سابقاً بين نيودلهي وبكين، عندما عززت الأخيرة وجودها العسكري في هضبة دوكلام بعد فك الارتباط بين الجانبين في أغسطس 2017.
وما يقلق نيودلهي أكثر التسارع في العلاقات بين الدول الثلاث، بنغلاديش وباكستان والصين، فقد استأنفت دكا الرحلات الجوية المباشرة، وخففت قيود التأشيرات مع إسلام أباد، وانخرطت في تعاون عسكري ناشئ معها، يُشير إلى جهد مدروس لتقليل الاعتماد على الهند وتأكيد استقلاليتها.
من جانبها، انتهزت الصين الفرصة، فقد عرضت على بنغلاديش إعفاءً من الرسوم الجمركية على الصادرات، ونقل التكنولوجيا، ومليارات الدولارات لتمويل البنية التحتية، بهدف واضح هو جذبها إلى فلك مبادرة الحزام والطريق، واستخدام أراضيها كورقة ضغط استراتيجية ضد الهند.
وتخلٌص "فورين بوليسي" إلى أن الوضع الحالي يتجاوز مجرد ممر سيليجوري أو الوصول البحري إلى خليج البنغال، معتبرة أنه اختبار لقدرة الهند على التكيف مع جنوب آسيا متعدد الأقطاب، حيث تسعى الدول الأصغر إلى إعادة تأكيد سيادتها.