كثّفت روسيا ضرباتها الجوية خلال الأيام الأخيرة، مستهدفة منشآت حيوية تابعة للبنية العسكرية الأوكرانية، في خطوة وصفها مراقبون بأنها بمثابة "ضرب تحت الحزام" للقدرات القتالية لكييف.
وجاء التحرك الروسي في توقيت حساس، بعد تهديدات غربية متصاعدة، شملت تصريحات للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، عن توجه لتشكيل تحالف عسكري يضم عشرات الآلاف من الجنود الأوروبيين لدعم أوكرانيا.
ويرى نزار بوش، أستاذ العلوم السياسية بجامعة موسكو، أن هذه الضربات تأتي في إطار الرد الروسي على الدعم العسكري الغربي المتزايد، خاصة بعد موافقة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على إرسال أسلحة هجومية إلى أوكرانيا عبر "الناتو".
ولفت بوش في تصريحات لـ"إرم نيوز" إلى أن الدول الأوروبية هي من تتحمل تكلفة هذه الأسلحة، ما دفع موسكو لتوجيه رسائل ردع واضحة من خلال استهداف مواقع استراتيجية في العمق الأوكراني.
وأضاف أن الاستهداف شمل مصانع ومخازن للأسلحة والصواريخ والطائرات المسيّرة، بما في ذلك منشآت حساسة قرب البحر الأسود، مثل مصنع في منطقة "دويسه".
واعتبر أن هذه العمليات العسكرية تمثّل رسالة مباشرة من روسيا إلى الغرب، مفادها أن أي دعم عسكري هجومي لكييف سيقابل بتصعيد ميداني مباشر.
وأشار إلى أن روسيا، رغم هذه التحركات، لا تغلق الباب أمام السلام، بل تسعى لخلق توازن بين الضغط العسكري وفتح المسارات الدبلوماسية، وهو ما قد يتجسد في جولة ثالثة من المحادثات المحتملة في إسطنبول.
وحذر نزار بوش، من أن الغرب لا يزال يراهن على إضعاف روسيا عبر العقوبات الاقتصادية ودعم كييف، بهدف تحقيق ما يصفونه بـ"الهزيمة الاستراتيجية" لموسكو.
وشدد على أن روسيا باتت أكثر قدرة على التكيّف مع العقوبات، مستفيدة من دعم حلفائها مثل الصين والهند وكوريا الشمالية، الذين تواصل تصدير النفط إليهم.
وفي ذات السياق، اعتبر ميرزاد حاجم، الباحث في مركز البحوث العلمية التطبيقية والاستشارية في روسيا، أن البنية العسكرية الأوكرانية "ساقطة بالفعل"، وأن الإرهاق أصاب المجتمع الأوكراني، وأن الدعم الشعبي لنظام الرئيس زيلينسكي بدأ في التلاشي تدريجيًا، مع تفاقم الفساد السياسي والعسكري.
وأشار حاجم لـ"إرم نيوز"، إلى أن صورة زيلينسكي، التي رُسمت في الغرب كبطل، بدأت في الانهيار، خاصة بعد الحادثة الشهيرة التي وبخه فيها ترامب داخل البيت الأبيض، وهو ما اعتبره كثيرون مؤشرًا على فقدان الثقة الدولية به.
وتساءل الباحث في مركز البحوث العلمية التطبيقية والاستشارية في روسيا: "أين ذهبت المليارات التي قدمت لأوكرانيا لمواجهة روسيا؟"، مشيرًا إلى أن الفساد المتغلغل، وضعف البنية الداخلية، جعل من الجيش الأوكراني قوة متهالكة.
وشدد على أن روسيا لا تزال تمد يدها للسلام، لكنها في الوقت ذاته تسعى إلى تسوية نهائية تنهي الملف الأوكراني، في إطار استراتيجية طويلة الأمد لإعادة صياغة موازين القوى في النظام العالمي الجديد.
وأضاف: "الغرب يتبنى نظرية أن الحرب ستستمر حتى آخر جندي أوكراني"، معتبرًا أن أوكرانيا أصبحت ضحية لصراع دولي أكبر منها، و"قربانًا" يسعى الغرب لتقديمه مقابل تحقيق نصر استراتيجي على موسكو.
وفي المقابل، رأى مستشار مركز السياسات الخارجية الأوكراني، إيفان يواس، أن روسيا تشن هجمات ممنهجة تهدف إلى تقويض البنية التحتية الحيوية، إلى جانب المواقع العسكرية.
وأكد في تصريحات لـ"إرم نيوز" أن الهجمات الروسية لم تعد تقتصر على المواقع القتالية، بل طالت منشآت الطاقة والمرافق الأساسية، ما تسبب بأضرار كبيرة على المستويين الأمني والخدمي.
وأوضح يواس أن القوات الروسية تستخدم مزيجًا من الصواريخ الدقيقة والطائرات المسيّرة، مستهدفة المطارات والمنشآت العسكرية ومنشآت الطاقة، وهو ما يتسبب في انقطاع التيار الكهربائي وتعطل الخدمات في مناطق واسعة من البلاد.
وأشار إلى أن الدفاعات الجوية الأوكرانية تبذل جهودًا كبيرة لصد هذه الهجمات، لكن قدرات روسيا الهجومية المتطورة، باستخدام صواريخ مثل «Kh-101» و«كاليبر» و«Kh-59»، تجعل من الصعب التصدي لجميع الهجمات، ما يؤدي إلى خسائر في الأرواح والممتلكات.
ولفت يواس إلى أن الهدف الروسي يبدو واضحًا: إنهاك أوكرانيا ميدانيًا وخدميًا، ودفع المدنيين إلى اليأس، في محاولة لفرض تسوية سياسية أو إضعاف القرار السياسي في كييف.
وأكد أن نتائج هذه الهجمات مدمّرة، تشمل سقوط ضحايا مدنيين وتعقيد جهود الدولة في تأمين الكهرباء والتدفئة والخدمات الأساسية.