في مشهد غير مسبوق منذ استقلال دول آسيا الوسطى قبل أكثر من ثلاثة عقود، اجتمع وزراء دفاع كازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان في مدينة سمرقند الأوزبكية يوم 20 أكتوبر/تشرين الأول، في لقاء وُصف بأنه خطوة نوعية على طريق بناء الثقة والتكامل الأمني في المنطقة.
وبحسب مجلة "The Diplomat"، فإن الاجتماع، الذي ترأسه وزير الدفاع الأوزبكي الفريق شوخرت خولمحمدوف، شكّل أول منصة خالصة لدول آسيا الوسطى دون مشاركة أطراف خارجية.
وناقش الوزراء خلاله توسيع التعاون العسكري، وتطوير نظام التدريب المشترك، وتبادل الخبرات، إلى جانب إطلاق مبادرات لتعزيز الأمن الإقليمي.
في رسالة قرأها أمين مجلس الأمن الأوزبكي فيكتور محمودوف نيابة عن الرئيس شوكت ميرزيوييف، أكدت طشقند أن "العلاقات بين دول آسيا الوسطى القائمة على حسن الجوار والاحترام المتبادل والثقة، ارتفعت إلى مستوى الحوار البناء والشراكة الاستراتيجية"، مشددة على أن التعاون الدفاعي بات أكثر أهمية من أي وقت مضى في ظل حالة عدم الاستقرار العالمي.
وبرز خلال الاجتماع حضور جيل جديد من القيادات العسكرية، إذ تم تعيين معظم الوزراء خلال العام الماضي، باستثناء وزير الدفاع التركماني بيجينس غوندوغديو الذي يحتفظ بمنصبه منذ 2018.
وحدة المصير العسكري
بعد يوم واحد فقط من اجتماع سمرقند، شهدت أوزبكستان انطلاق مناورات "بيرليك 2025" – وتعني "الوحدة" في اللغات التركية – بمشاركة قوات من أوزبكستان وكازاخستان وأذربيجان، التي حلت محل تركمانستان.
جرت التدريبات في عدة مناطق أوزبكية، وتضمنت عمليات استطلاع وبعض المهام الخاصة في بيئات حضرية معقدة، بمشاركة طائرات مقاتلة ومروحيات قتالية من القوات الجوية الأوزبكية والكازاخية.
ووفق البيان الأوزبكي، هدفت المناورات إلى "زيادة الجاهزية القتالية وتعزيز الصداقة والتضامن والثقة المتبادلة" بين الجيوش المشاركة، ما يعكس تحوّلاً في طبيعة التعاون العسكري الإقليمي من التنسيق النظري إلى الممارسة الميدانية المشتركة.
وبينما كانت أوزبكستان تستضيف تلك المناورات، أطلقت منظمة معاهدة الأمن الجماعي (CSTO) في طاجيكستان تدريبات "الأخوة الراسخة"، بمشاركة جيوش بيلاروسيا وكازاخستان وقيرغيزستان وروسيا وطاجيكستان، في إطار عمليات حفظ السلام.
ويشير تزامن الحدثين إلى أن تعزيز التعاون داخل آسيا الوسطى لا يأتي على حساب الانخراط في الأطر الأمنية الأوسع مثل "CSTO" أو "منظمة شنغهاي للتعاون".
ملامح تحول استراتيجي
منذ تولي الرئيس ميرزيوييف الحكم في 2016، شهدت آسيا الوسطى صحوة دبلوماسية تجسدت في القمم السنوية لقادتها منذ 2018، وفي حل عدد من القضايا العالقة مثل ترسيم الحدود.
واليوم، يبدو أن التعاون العسكري أصبح الامتداد الطبيعي لذلك المسار، مع سعي دول المنطقة إلى بناء منظومة أمنية مستقلة توازن بين علاقاتها مع القوى الكبرى، روسيا والصين والولايات المتحدة، وبين متطلبات الأمن الذاتي.
يؤكد الاجتماع التاريخي في سمرقند، وما تبعه من مناورات "بيرليك 2025"، أن دول آسيا الوسطى بدأت تُدرك أن أمنها الجماعي لا يمكن أن يبقى مرهونًا بتحالفات خارجية، وأنها تمتلك الآن الإرادة والقدرة على رسم ملامح تعاون عسكري إقليمي جديد.
إنها لحظة فارقة؛ فبعد عقود من الحذر والتردد، تضع آسيا الوسطى أسس "وحدة دفاعية" ناشئة قد تعيد تشكيل توازنات الأمن في قلب أوراسيا.