في مشهد يعكس ارتباك النظام الدولي وتغير موازين القوى، خرجت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين بتصريح مثير للجدل، ولسان حالها يقول: "الأسبوع المقبل سيكون حاسمًا في مسار محادثات أوكرانيا".
ومع بدء تحركات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الفعلية لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، تُكثف بروكسل تحركاتها الدبلوماسية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من التوازنات الأمنية في القارة العجوز.
وقالت فون دير لايين خلال لقائها في روما مع نائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس، ورئيسة الوزراء الإيطالية جيورجا ميلوني، إن ما يوحدنا هو أننا نريد سلامًا عادلًا ودائمًا لأوكرانيا، مشددة على ضرورة زيادة النفقات الدفاعية للاتحاد الأوروبي خلال السنوات الأربع المقبلة.
وبين هذا وذاك، تراقب الشعوب الأوروبية والعالم ما إذا كان الأسبوع المقبل سيشهد بداية النهاية لحرب أنهكت الجميع، أم أنه مجرد أسبوع آخر من الانتظار الطويل.
وأكد خبراء أن الأسبوع المقبل قد يكون حاسمًا بالفعل في مسار الحرب الأوكرانية، تماشيًا مع تصريحات رئيسة المفوضية الأوروبية، وذلك في ظل الزخم الدبلوماسي المتصاعد وتزايد الضغوط الدولية للدفع نحو حل تفاوضي.
ورأى الخبراء، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن المكالمة الهاتفية بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين شكلت مؤشرًا واضحًا على انخراط أمريكي مباشر في محاولات التهدئة، بينما تسعى أوروبا إلى فرض واقع تفاوضي جديد مدعومًا بتهديدات بعقوبات إضافية.
وأضاف الخبراء أن فرص التوصل إلى اتفاق وشيك ما زالت محدودة، في ظل تمسك موسكو بالمقاطعات الأربع التي ضمتها إلى أراضيها، وضعف الثقة بين الطرفين.
ورأى المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية، د. نبيل رشوان، أن الحديث عن إمكانية حسم الأزمة الأوكرانية خلال هذا الأسبوع يستند إلى المكالمة الهاتفية الأخيرة بين الرئيسين ترامب وبوتين، إضافة إلى الضغوط التي يمارسها بعض القادة الأوروبيين للدفع نحو خيار التفاوض.
وأوضح رشوان، لـ"إرم نيوز"، أن الحزمة السابعة عشرة من العقوبات الأوروبية على روسيا قد تفعل، في حال عدم إحراز تقدم ملموس في مسار المفاوضات، لا سيما فيما يتعلق بوقف إطلاق النار، حيث قدم الطرفان مقترحات أولية لآليات التهدئة.
ولفت المحلل السياسي إلى أن هذا الأسبوع سيكون حاسمًا لتحديد مستقبل المفاوضات الجارية في إسطنبول، كما أن نتائج الاتصال بين ترامب وبوتين سيكون لها أثر كبير على هذا المسار.
وأكد أن روسيا تبدو متمسكة بشدة بالمقاطعات الأربع التي ضمتها رسميًا إلى أراضيها وفقًا للدستور الروسي، وهو ما يعقد المشهد التفاوضي ويقلّص هامش المرونة.
وأشار رشوان إلى أن العقوبات المنتظرة، سواء تلك التي يجري إعدادها في الكونغرس الأمريكي، أو ضمن الحزمة الأوروبية الجديدة، قد تستخدم كأداة ضغط فعالة، لكنها تثير تساؤلات حول مدى قدرتها على دفع موسكو لتقديم تنازلات، أم أنها ستدفعها نحو مزيد من التشدد السياسي.
وقال إن المسار الدبلوماسي، رغم نشاطه اللافت مؤخرًا، لا يزال هشًا في ظل تعقيدات داخلية وخارجية، فالمكالمة بين ترامب وبوتين، رغم رمزيتها، تعكس محاولة أمريكية لضبط الإيقاع الدولي، غير أن الواقع الميداني والمواقف المتصلبة بشأن الأراضي يجعل أي تقدم رهينًا بتنازلات صعبة لا تبدو وشيكة.
من جانبه، قال مدير وحدة الدراسات الروسية بمركز الدراسات العربية الأوراسية، ديميتري بريجع، إن الأسبوع المقبل قد يشكل لحظة فارقة في مسار الحرب الأوكرانية، ليس لأنه يحمل وعودًا باتفاق وشيك، بل لأنه يعكس تصاعدًا ملحوظًا في الضغط الدولي والجهود الدبلوماسية نحو تسوية ممكنة.
وأضاف بريجع، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن التصريحات الأوروبية والأمريكية الأخيرة توحي بتهيئة مناخ تفاوضي أكثر جدية، وقد يكون ذلك نتيجة إرهاق الأطراف، سواء على الأرض أو على الصعيدين الاقتصادي والسياسي.
وتابع: "رغم هذا الزخم، لا يمكن القول إن السلام بات قريبًا، فالمواقف ما زالت متباعدة، والثقة شبه منعدمة بين الجانبين".
وأردف بريجع قائلًا: "ربما يشهد الأسبوع المقبل تقدمًا رمزيًا، كإعلان نوايا أو تفاهم مبدئي بشأن هدنة مؤقتة، لكنه لن يمثل نهاية للحرب، ما لم تتغير الحسابات الاستراتيجية لدى روسيا وأوكرانيا، وكذلك القوى الداعمة لهما".
وقال إن إنهاء الحرب يتطلب ما هو أكثر من المؤتمرات والتصريحات، إنه يحتاج إلى إرادة سياسية متبادلة وتقديم تنازلات حقيقية، وهي لا تزال غائبة حتى الآن، مشددًا على أن السلام يجب أن يبنى دون شروط مسبقة.