logo
العالم
خاص

"السحاب الصاروخي".. روسيا تنشر "أوريشنيك" وألمانيا تلجأ لـ"آرو3"

قاذفة صواريخ باليستية روسية من طراز "يارس"المصدر: أ ف ب

تزامنا مع نشر واشنطن لعقيدتها الأمنية الجديدة التي اعتبرت فيها أن أوروبا باتت "رجلا مريضا" وأنّ التحالفات العسكرية والأمنية معه غير مجدية، نشرت روسيا منظومة صواريخها الجديدة متوسطة المدى "أوريشنيك" في بيلاروسيا، فيما التجأت ألمانيا لنظام الدفاع الجوي الإسرائيلي "آرو3" لحماية أراضيها وأراضي الاتحاد الأوروبي، من الوافد الصاروخي الثقيل الذّي يعمل بسرعة فرط الصوت ويحمل رؤوسا نووية. 

وقال الرّئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، إنّ قوات بلاده تسلّمت المنظومة وستبدأ "واجب التأهب القتالي"، مضيفاً: "تم تجهيز المواقع الأولى لأنظمة صواريخ أوريشنيك".

من جهته، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنّ النّظام سيدخل "الخدمة القتالية" بحلول نهاية العام، مؤكدا التزام روسيا بإنتاج هذه المنظومات بكميات كبيرة.

وقال بوتين خلال اجتماع رفيع المستوى لوزارة الدفاع: "القوات الروسية تجري تدريبات تشمل حلفاءنا وشركاءنا الأجانب، الذين ننقل إليهم الخبرة المكتسبة خلال العملية العسكرية الخاصة".

أخبار ذات علاقة

منظومة صواريخ باليستية روسية خلال عرض في موسكو

رؤوس نووية.. تحرك روسي لإحياء قاعدة صاروخية في بيلاروسيا

تصعيد عسكري روسي لافت

وتتوافق القراءات العسكرية على أنّ الدفع الروسي بصاروخ "أوريشنيك"، يُمثِّل تصعيدا عسكريا لافتا، لابد من تنزيله ضمن السياقات السياسية والاستراتيجية الإقليمية والدولية.

وتشير المصادر العسكرية إلى أنّ "أوريشنيك" يجسّد فخر الصّناعة التّسليحية الروسية، التي استمرت في تصنيع الصواريخ المتطورة زمن الحرب المشتعلة على الجبهة الأوكرانية، بل وتُمثّل عاملا قويا من عوامل الانتصار الميداني الروسي الواضح في المشهد الأوكراني.

ويجمع "أوريشنيك" بين 3 خصائص تسليحية وتدميرية مهمة، تجعل من عملية استهدافه في المجال الجوي، ضربا من ضروب المجازفة العسكرية، ولئن اختارت برلين الاعتماد على منظومة الدفاع الإسرائيلي "آرو3" لصدّ هذا الصاروخ، فإنّ كافة الخبراء العسكريين يتقاطعون على فرضية أنّ النتيجة غير حتمية، وإمكانيات تجاوز "أوريشنيك" لها، قائمة بقوّة. 

ويضيف الخبراء أنّ المزايا الثلاث تتمثل أوّلا في السرعة الفائقة حيث تعادل سرعته تقريبا 12300 كلم في الساعة، أي حوالي 3.4 كيلومتر في الثانية، وهي سرعة فائقة تجعله غير قابل للاعتراض بواسطة أي من أنظمة الدفاع الجوي الموجودة حاليا في أوروبا. 

أما الميزة الثانية فهي القدرة التدميرية للصاروخ الذي يحمل رؤوسا حربية متعددة قابلة للاستهداف بشكل مستقل، إذ بإمكانه أن يحمل 6 شحنات على الأقل، يمكن لكل واحدة منها أن تتبع مسارا مستقلا.

في هذا السياق تؤكد مصادر إعلامية غربية أنّ استخدامه لأول مرة خلال الحرب الروسية الأوكرانية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، أثبت لكافة المراقبين أنّه يحمل أكثر من 6 شحنات، وقد مثل استعماله لضرب منشأة صناعيّة في مدينة "دنيبرو" الأوكرانية نقلة نوعية عسكرية في الحرب، وهو ما تؤكده موسكو ولا تنفه كييف.  

أمّا الميزة الثالثة فهي القدرة على المناورة، إذ تتمتع الشحنات بقابلية معتبرة للمناورة في الغلاف الجوي، يجعل مهمة استقراء مسارها العسكري والتنبؤ بمسارها النهائي عملية شبه مستحيلة، وهو ما يزيد من صعوبة الاعتراض. 

وتشير المصادر العسكرية إلى أنّ قدرة موسكو على دمج هذه الميزات، في صاروخ يشتغل بالطاقة النووية، يؤكد المستوى المرموق الذي بلغته الصناعة العسكرية الروسية في وقت وجيز وفي زمن عسكري حرج.

الغايات الاستراتيجية

وفي تفكيكهم للغايات الاستراتيجية التي تقف وراء دفع موسكو بهذه النوعية من الصواريخ المتطورة، يرى الخبراء أنّ موسكو تريد وضع نقطة النهاية في مسلسل الحرب في أوكرانيا وفق بنود ومضامين التسوية التي طرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وما أفضت إليه اجتماعات "ميامي".

وهذه النهاية لا تكون متأتية إلا إذا نشرت موسكو سلاحها الاستراتيجي المتطور غير القابل للاعتراض في المشهد، بحيث تُخيّر بروكسل بين خيارين اثنين، إما القبول بصيغة التسوية الواردة أو القبول بتوسع الوجود العسكري الروسي خارج الجغرافيات المنصوص عليها في "ورقة ميامي".

هنا يستدرك الخبراء بالإشارة إلى أنّ هذا التخيير لا يعني أبدا أنّ موسكو تريد فتح جبهات قتالية جديدة مع أوروبا أو في غير أوروبا، أو انها تبتغي إغلاق نافذة التوافق مع واشنطن، ولكنها في المقابل ترسل رسالة مضمونة الوصول أنّ لها اليد الطولى في معادلة الردع، وأنّ أي سلاح يَتصور الاوروبيون أنه قادر على كسر التوازن العسكري القائم حاليا، فإنّ موسكو تجاوزته بأجيال.

 صواريخ أوريشنيك

ووفقا للمراقبين، فإنّ موسكو تشتغل على قاعدة أنّ "القدرة على المواصلة في القتال هي الوصفة الصحيحة لإنهاء الصراع"، وهو ما تريد تبليغه للأوروبيين الذين يبدون تململا وبرودا واضحا حيال ورقة ميامي.

كما لا يمكن إغفال البعد الأوكراني في نفس هذه الزاوية التفسيرية، فكييف – وفق القراءة الروسية - تحتاج لاقتناع عميق بأنّ إنهاء الصراع لن يكون خارج صندوق الاقتراحات الأمريكية، وأنّ الفاعل الأوروبي على أهميته في استدامة المقاومة الأوكرانية لن يضمن انتصار كييف في هذه الحرب ولن تنال مقترحاته التأييد الروسي بعد أن تحولت بروكسل إلى طرف صريح في المكاسرة. 

هنا أيضا ترسل موسكو رسالة ثانية لكييف، أنّ أوروبا عاجزة عن اختراق الخطوط الحمراء للصراع، فبروكسل قاصرة عن اجتراح سلاح مضاد لـ"أوريشنيك"، وبالتالي فهي واقعة تحت الغطاء الصاروخي الروسي، وهي أيضا عاجزة عن توظيف الأصول المالية الروسية المجمدة في البنوك البلجيكية، لتقديمها كمساعدات مالية لكييف.

أخبار ذات علاقة

ما هو نظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي "آرو3" الذي برز في التصعيد الأخير؟

زخم عسكري روسي 

في نفس السياق، يؤكد المتابعون أنّ نشر الاستراتيجيا الأمنية الأمريكية الجديدة منحت الفعل الروسي زخما واضحا وجرأة لافتة، فالورقة التي أعادت ترتيب وتأثيث الأولويات الأمنية الأمريكية وفق دوائر جغرافية تنطلق من أمريكا الشمالية إلى اللاتينية ومنها إلى شرق آسيا حيث الصين العدو الاقتصادي المتوثب، نظرت بعين الانتقاد للتحالف مع أوروبا وبكثير من التململ حيال التكاليف العسكرية للحلف الأطلسي.

ويشير المراقبون إلى أنّ هذه الورقة سمحت لموسكو بإعادة الانتشار في الجغرافيات القريبة وبالتجرؤ على حدود التماس مع الأطلسي، فنشر منظومة "أورينشيك" في بيلاروسيا وقرب دول البلطيق (لاتيفيا وليتوانيا وإستونيا)، برهان على صحة قول "إنّ الطبيعة العسكرية تأبى الفراغ".

كما سمحت الهوّة السياسية القائمة اليوم بين واشنطن وبروكسل في كثير من الملفات وعلى رأسها الملف الأوكراني، لروسيا بالخروج من حدودها الإقليمية والدفع بفخر صناعتها الصاروخية إلى الحدود الشرقية للتكتل الأوروبي، بما يضمن غطاء صاروخيا كاملا للقارة العجوز.

بروكسيل لا ترمي المنديل

في الطرف المقابل، لايبدو أن بروكسل موافقة على المنطق العسكري الروسي ولا المنطوق السياسي الأمريكي، فبالإضافة إلى سعي الاتحاد الأوروبي إلى اجتراح عقيدة أمنية جماعية تحفظ أمنه من الأخطار الروسية القائمة والقادمة، فإنّ ألمانيا سارعت إلى اتخاذ خطوات إجرائية من خلال عقد صفقة سلاح كبيرة مع إسرائيل ستسمح بمقتضاها بنشر منظومة "آرو3" للدفاع الصاروخي الجوي.

وفي تصريح لافت موجه لموسكو، قال وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس: بهذه الطريقة نحن لا نحمي أنفسنا فحسب بل نحمي شركاءنا أيضا، نحن نعزز الركيزة الأوروبية في حلف الناتو، ونلبي هدفا من أهداف التخطيط في الحلف".  

وكانت الحكومتان الإسرائيلية والألمانية قد وقّعتا أكبر صفقة تصدير دفاعي لإسرائيل، حيث قدرت قيمة الاتفاق بأكثر من 3.6 مليار يورو، أي 4.2 مليار دولار، بما يشمل منصات الإطلاق والذخائر والرادارات، إذ تقول وزارة الدفاع الإسرائيلية إنّ معدل اعتراض "آرو3" خلال المواجهة مع إيران خلال حرب الأيام الـ12، بلغ 86%.  

ولئن نجحت منظومة "آرو3" – وفق الرواية الإسرائيلية – في اعتراض الصواريخ الإيرانية؛ إلا أنّ تسويقها كسلاح ردع أوروبي – أطلسي ضدّ منظومة الصواريخ الروسية، يحتاج لمزيدٍ من الاستدلال والمحاججة.

فوفق عدّة خبراء عسكريين، فإنّ نجاح منظومة "آرو3" في اعتراض صاروخ "أورينشيك"، فرضية غير ثابتة، بالنظر لعدة اعتبارات من بينها أنّ الصاروخ يمتلك قدرات كبيرة للمناورة الذاتية، ويتمتع بسرعة فائقة خارج إمكانية الرصد المتوفرة لدى منظومة "آرو3"، والأكثر من ذلك أنّ الأخيرة متخصصة في اعتراض الصواريخ خارج المجال الجوي، وفي حال نجح الصاروخ في اختراقه باتت بلا قيمة ولا جدوى حقيقية. 

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC