بينما يواجه الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، خيارات مُرّة، بين إنهاء الحرب عبر التنازل عن أراضٍ، أو مواصلة القتال مع مخاطر خسارة المزيد من الأرواح والمناطق، تبرز خرائط سابقة كان قد عرضها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب.
وفي اجتماعهما في المكتب البيضاوي يوم 18 أغسطس/ آب الماضي، كانت الخرائط حاضرة بقوة لتوضيح تعقيدات الوضع، فعندما دخل زيلينسكي وجد خريطة كبيرة أعدّها ترامب، تعتمد على بيانات وزارة الدفاع الأمريكية، وفق ما ذكر تقرير لموقع "ناشيونال إنترست".
وأظهرت "خرائط ترامب" حدود أوكرانيا مع روسيا، وخط المواجهة الممتد لـ750 ميلًا، والمناطق التي تسيطر عليها روسيا حالياً، والتي تشمل معظم المقاطعات الخمس: لوغانسك، دونيتسك، زابوريزهيا، خيرسون، وشبه جزيرة القرم، أي ما يعادل حوالي 20% من مساحة أوكرانيا، أو 44,000 ميل مربع.
لتوضيح حجم هذه الخسارة، أنتج فريق "روسيا مهمة" بجامعة هارفارد خريطة توازي هذه المساحة مع ولايات نيو إنغلاند الشمالية (مين، فيرمونت، نيوهامبشاير)، مما يبرز ضخامة الأراضي المحتلة.
تاريخياً، كانت أوكرانيا، التي ظهرت كدولة مستقلة بعد تفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991، تمتلك مساحة 233,000 ميل مربع، تعادل مساحة نيو إنغلاند بأكملها مضافاً إليها ولايات نيويورك، بنسلفانيا، فرجينيا، وميريلاند.
لكن في 2014، استولت روسيا على القرم وأجزاء من دونيتسك ولوغانسك، وفي 2022، وسّعت سيطرتها عبر غزو شامل، مكنها من السيطرة على معظم لوغانسك ودونيتسك، وثلثي زابوريزهيا وخيرسون، مكونة جسراً برياً يربط روسيا بالقرم وسيفاستوبول، قاعدتها البحرية الرئيسية.
وترامب، مستنداً إلى خلفيته العقارية، ركز خلال الاجتماع على فكرة "تبادل الأراضي" كجزء من اتفاقية سلام محتملة، فخريطته أظهرت باللون الأحمر المناطق التي تسيطر عليها روسيا، مع إشارة إلى إمكانية تنازل أوكرانيا عن الربع المتبقي من دونيتسك، أي ما يعادل ولاية ديلاوير.
لكن زيلينسكي رفض التخلي عن أي جزء من الأراضي الأوكرانية المعترف بها دولياً، مشدداً على أن أوكرانيا لن تعترف بضم روسيا لهذه المناطق، مستلهماً تجارب ألمانيا الغربية وكوريا الجنوبية، اللتين لم تتخليا عن مطالبهما باستعادة أراضيهما المحتلة بعد الحرب العالمية الثانية والحرب الكورية.
في المقابل، يستند الروس إلى تجربة فنلندا، التي خسرت 10% من أراضيها للاتحاد السوفيتي بعد الحرب الروسية الفنلندية، وتخلت لاحقاً عن مطالباتها لتركز على التنمية.
ويثير هذا النموذج تساؤلات حول ما إذا كان بإمكان أوكرانيا قبول خسارة مؤقتة لأراضيها مقابل السلام، خاصة إذا وافقت روسيا على الانسحاب من مناطق محدودة مثل 400 ميل مربع في سومي وخاركيف، التي تعادل مساحة كيب كود.
السؤال الأكبر الذي تطرحه هذه الخرائط هو: هل يجب على أوكرانيا قبول خسارة ما يعادل ديلاوير لإنهاء الحرب، أم مواصلة القتال رغم الخسائر المستمرة؟ ففي ظل تقدم روسيا بمعدل 100-200 ميل مربع شهرياً، يصبح الخيار بين خسارة محدودة أو استنزاف مستمر.
وبينما كان زيلينسكي، في يوم استقلال أوكرانيا، أكد التزامه بناء دولة قوية وآمنة، إلا أنه يركّز الآن على الحصول على ضمانات أمنية من الولايات المتحدة وأوروبا لضمان استدامة أي هدنة، ومنع روسيا من استخدامها كاستراحة لتحضير هجوم جديد.
ووفق "ناشيونال إنترست"، فإن خرائط ترامب تُبرز الحقائق القاسية للوضع الحالي، لكنها تترك السؤال مفتوحاً، إن كانت أوكرانيا تستطيع تحقيق توازن بين السلام والحفاظ على سيادتها، خصوصاً في ظل الشك بقدرة المجتمع الدولي على تقديم ضمانات أمنية موثوقة.