logo
العالم

ألمانيا نحو "قلب الدفاع" الأوروبي‎.. ما التحول الاستراتيجي الجديد؟

الجيش الألمانيالمصدر: رويترز

مع تصاعد التوتر بين الشرق والغرب بعد الحرب الروسية على أوكرانيا، وتراجع الثقة بالضمانات الأمريكية تجاه أمن القارة، بدأت ألمانيا تلعب دورًا محوريًا في استراتيجيات الدفاع الأوروبي. 

لم تعد الدولة مجرد داعم داخل حلف الناتو، بل تسعى لأن تصبح مركز الأمان والاستقرار، ما أطلق عليه بعض المحللين وصف "جدار برلين الأمني"، أي الخط الأول لحماية أوروبا الغربية من التهديد الروسي المحتمل.

أخبار ذات علاقة

حاملة الطائرات البريطانية HMS Prince of Wales

اختبار للقدرات الأوروبية.. الناتو يجري مناورات بحرية كبرى دون حاملات أمريكية

التحول الاستراتيجي الألماني

في نوفمبر 2025، أكد وزير الدفاع الألماني، بوريس بيستوريوس، أن الوقت حان لإعادة تحديد دور ألمانيا الاستراتيجي، وقال إن التحالفات التقليدية لم تعد مضمونة كما في السابق، وأن البلاد بحاجة إلى مراجعة شاملة لحساباتها الأمنية. يعكس هذا التصريح تحولًا جذريًا في التفكير داخل برلين، إذ لم تعد تكتفي بدور داعم، بل ترغب في قيادة جهود أمنية مشتركة على مستوى القارة.

هذا التحول لم يقتصر على السياسة الرسمية، بل امتد إلى الاستعداد المدني والعسكري. أعلنت الحكومة خططًا لتوسيع شبكات الملاجئ والبنى التحتية للطوارئ، بما في ذلك استخدام الأنفاق والأقبية في المباني القديمة لاستيعاب أعداد كبيرة من المدنيين في حال نشوب نزاع مسلح.

وأوضح رئيس المكتب الاتحادي للحماية المدنية أن أوروبا بحاجة إلى تجهيز شامل، مؤكدًا أن الحرب لم تعد مجرد سيناريو بعيد.

القوة العسكرية والبنية التحتية الدفاعية

على الصعيد العسكري، تعمل ألمانيا على رفع نفقات الدفاع وتعزيز القدرات في مجالات متعددة تشمل الفضاء والدفاع الجوي؛ تحسبًا لأي هجمات سيبرانية أو عبر الأقمار الصناعية. 

هذه الجهود تجعل برلين مركزًا لإدارة الاستجابة لأي تهديد روسي محتمل، وفق خطط سرية كشفت عنها صحيفة "وول ستريت جورنال"، تضمنت نقل نحو 800 ألف جندي من ألمانيا ودول الناتو إلى الجبهة الشرقية إذا اقتضت الحاجة.

التحول الألماني لا يقتصر على القوة العسكرية، بل يشمل أيضًا تطوير البنية التحتية المدنية، حيث تعمل الحكومة على إعادة تأهيل محطات المترو والملاجئ لضمان حماية آلاف المدنيين، مع استثمار مكثف في الشبكات اللوجستية والموانئ والطرق لتسهيل تحركات القوات في أي سيناريو تصعيدي.

أخبار ذات علاقة

جندي ألماني في إطار مناورة "العاصفة الحمراء برافو" في سبتمبر.

بـ800 ألف جندي.. وثيقة سرية تكشف استعداد برلين لصراع محتمل مع موسكو

خبراء يرون تحولًا تاريخيًا

يعتبر محللون أن الخطوات الألمانية تمثل تحوّلًا استراتيجيًا تاريخيًا، إذ انتقلت البلاد من دولة تجنبت التدخل العسكري بعد الحرب العالمية الثانية إلى لاعب محوري في أمن القارة. ويرى خبراء المجلس الألماني للعلاقات الخارجية (DGAP) أن أوروبا لم تعد تستطيع الاعتماد على الولايات المتحدة كما في الماضي، وأن ألمانيا بموقعها الجغرافي وكثافتها السكانية تمتلك أهمية خاصة، ما يجعل قيادتها للأمن الأوروبي ضرورة استراتيجية. 

كما أشاروا إلى أن التهديدات الحديثة تشمل الطائرات المسيّرة والهجمات السيبرانية والتخريب، ما يجعل الحاجة إلى استعداد دائم أمرًا لا يمكن تجاهله.

تحديات ومخاوف

رغم أهمية هذا التحول، يثير رفع القدرة الدفاعية الألمانية مخاوف بعض الدول الأوروبية التي تخشى تأثيره على توازن القوى والثقة داخل القارة. كما أن توسيع الجيش وزيادة التجهيزات الدفاعية يتطلب موارد بشرية واقتصادية كبيرة، بما في ذلك احتمال إعادة التجنيد الإجباري. 

ومع هذه التحديات، تبقى ألمانيا ملتزمة بمفهوم جدار أمني متعدد المستويات يدمج القدرات العسكرية والمدنية، ويشكل حجر الزاوية في أي دفاع أوروبي مشترك.

واليوم، يظهر "جدار برلين الأمني" كرمز للاستراتيجية الأوروبية الجديدة، فهو يجمع بين القوة العسكرية، والبنية التحتية الدفاعية، والاستعداد المدني، ليصبح قلب الإيمان الأوروبي بالأمن في مواجهة تحولات جذرية في موازين القوة الدولية. 

فألمانيا بذلك لا تبني جدارًا ماديًا فحسب، بل منظومة حماية متكاملة تجعلها محورًا أمنيًا استراتيجيًا في أوروبا الغربية.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC