اختتم حلف شمال الأطلسي (الناتو) سلسلة مناورات بحرية واسعة في البحر الأبيض المتوسط، حملت اسم "نبتون سترايك 25-4"، بمشاركة حاملات طائرات بريطانية وإيطالية، وبتفعيل مكثف لطائرات الجيل الخامس "إف-35 بي".
ورغم حجم العملية وهدفها المعلن بإظهار التماسك والجاهزية، إلا أن غياب البحرية الأمريكية عن قيادة المناورة شكّل محورًا أساسيًا في التقييم الاستراتيجي لهذا الحدث، بحسب مجلة "نيوزويك".
أوروبا تسدّ الفراغ الأمريكي مؤقتًا
أُطلقت المناورات في 19 نوفمبر بمشاركة تسع دول، في وقت أعادت فيه واشنطن نشر حاملة الطائرات "يو إس إس جيرالد ر. فورد" من المتوسط إلى البحر الكاريبي، ضمن خطة أوسع لملاحقة شبكات تهريب المخدرات قرب فنزويلا.
تمثّل حاملات الطائرات الأمريكية، 11 سفينة نووية تُعد الأكبر عالميًا، ركيزة رمزية وعملياتية لالتزام الولايات المتحدة بأمن أوروبا، خصوصًا منذ الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022.
ولذلك، يُنظر إلى غيابها الراهن باعتباره اختبارًا لقدرة أوروبا على ملء فجوة الردع البحري في فترة تشهد تحولات جيوسياسية حادة.
وتتحرك القوى البحرية الأوروبية، بريطانيا، وفرنسا، وإيطاليا، ضمن مبادرة لتعزيز وجود الناتو في البحار المفتوحة، ودعم الحضور الغربي في أوروبا والمحيطين الهندي والهادئ، دون الاعتماد الكامل على الأسطول الأمريكي.
قدرات أوروبية متنامية
خلال المناورات، شاركت الحاملتان "HMS Prince of Wales" البريطانية و"ITS Cavour" الإيطالية في عمليات مشتركة شملت الضربات البحرية، والإنزال البرمائي، ومهام الحرب المضادة للغواصات.
ونشرت البحرية البريطانية جناحًا جويًا ضخماً مؤلفًا من 24 طائرة "إف-35 بي" على متن حاملة "أمير ويلز"، وهو أكبر انتشار لطائرات الجيل الخامس على حاملة واحدة حتى الآن، وفق وزارة الدفاع البريطانية.
كما شاركت ست سفن سطحية وغواصات، إضافة إلى أكثر من 30 طائرة، في مشهد عملياتي يؤكد قدرة الناتو على تشغيل قوات ضاربة متقدمة رغم غياب الحاملة الأمريكية.
أظهرت الصور التي نشرتها وزارة الدفاع البريطانية السفينتين البريطانيتين والإيطاليتين تبحران في تشكيل تكتيكي، بينما تنفذ المقاتلات البريطانية والإيطالية طلعات مشتركة، في رسالة واضحة حول فعالية التشغيل البيني داخل قوات التحالف.
رسائل سياسية وعسكرية إلى موسكو وبكين
يرى محللون أن المناورة تحمل عدة رسائل استراتيجية منها إثبات استقلالية نسبية للقدرات الأوروبية؛ فمع التحول الأمريكي نحو أولويات نصف الكرة الغربي، تحاول القوى الأوروبية إظهار قدرتها على الحفاظ على جاهزية التحالف، خصوصًا في البحر المتوسط، الذي بات ساحة تنافس استراتيجي مع روسيا.
يشير انتشار "أمير ويلز" منذ أبريل إلى توجه بريطاني لتوسيع عمليات الناتو في آسيا، وخاصة عبر المرور في بحر الصين الجنوبي، في إطار سياسة مواجهة التوسع البحري الصيني.
تصريحات القيادات البحرية في الناتو ركزت على أن المناورة تُظهر "وحدة الحلفاء ودقتهم واستعدادهم"، وهي رسالة مرتبطة مباشرة بالتصعيد الروسي في البحر الأسود والبحر المتوسط.
قالت القيادة البحرية للناتو إن المناورة "تُظهر القدرة المستمرة للحلف على تأمين الممرات البحرية على مدار الساعة"، فيما أكدت قوات الضربة البحرية التابعة للناتو أن مشاركة "إف-35 بي" البريطانية والإيطالية تجسد "تكاملاً عملياتيًا متقدمًا".
شدد وزير الدفاع البريطاني جون هيلي على أن "عصرًا جديدًا من التهديدات" يتطلب تعزيز التحالفات، مضيفًا: "إنه من المناسب أن نحتفل بهذا الإنجاز مع أحد أقرب شركائنا العسكريين في إيطاليا".
ورغم النجاح العملياتي للمناورة، يبقى السؤال الأكثر حساسية: هل سترسل الولايات المتحدة حاملة طائرات أخرى قريبًا لملء الفراغ في أوروبا؟
حتى الآن، لا توجد مؤشرات واضحة. وفي حال طال غياب الحاملات الأمريكية، قد يجد الناتو نفسه مضطرًا لتسريع عملية إعادة بناء قدراته البحرية الأوروبية، أو إعادة النظر في توزيع أصوله العسكرية بين مسارح العمليات المتعددة.