logo
العالم

"ملف مهمل".. هل يقدر الناتو على نشر جيوشه خلال أيام في مواجهة روسيا؟

خلال إحدى منارات حلف الناتوالمصدر: د ب أ

في ظل ارتفاع منسوب التوتر بين موسكو والغرب، يستعيد حلف شمال الأطلسي ملفاً ظل مهملاً لعقود وهو القدرة على تحريك القوات بسرعة عبر أوروبا، وبينما يملك الناتو ترسانة ضخمة وقوات قتالية عالية الجاهزية، يتضح أن نشر عشرات آلاف الجنود وآلاف الأطنان من المعدات الثقيلة خلال أيام هو التحدي الحقيقي إذا ما اندلع نزاع على الجناح الشرقي للحلف.

وترصد صحيفة "لوموند" الفرنسية هذا التحول العميق، وتصف سباق الوقت الذي تخوضه الجيوش الأوروبية لإعادة بناء قدراتها اللوجستية، بعدما كشفت الحرب في أوكرانيا مدى هشاشة خطوط الإمداد الروسية، ومدى اعتماد الأوروبيين على البنية التحتية الأمريكية.

رصيف الطريق المقدّس

وأوضحت الصحيفة أنه في بلدة غريسويلر الصغيرة في الألزاس، يقف "رصيف الطريق المقدّس" — الممر الذي يربط وحدة الدعم اللوجستي التابعة للفوج السادس بالسكك الحديدية المدنية — كقطعة حيوية في منظومة باتت توصف داخل الجيش الفرنسي بأنها "أمازون عسكرية".

فهناك، يعمل الميكانيكيون والفنيون داخل ورش واسعة وسط دبابات ومركبات مدرعة جاهزة للانطلاق فور صدور الأوامر. ويقول العقيد فيليب لو بوت، قائد الوحدة، إن الزمن الذي كانت فيه الجيوش تفترض أن "اللوجستيات ستتدبر أمرها" قد انتهى، فيما يعيش مئات العسكريين والمدنيين تحت ضغط متسارع نابع من الواقع الجيوسياسي الجديد.

اختبار سباق الأيام العشرة

وتجلّت لعبة الزمن بوضوح خلال تمرين “Dacian Fall 2025” في رومانيا، الذي شارك فيه أكثر من خمسة آلاف جندي أوروبي لاختبار القدرة على التحرك خلال أقل من 10 أيام، وهي مهلة يعتبرها الناتو حاسمة في أي سيناريو طارئ.

ولم يتردد الجنرال فابيان ماندون في القول، خلال جلسة أمام مجلس الشيوخ الفرنسي، إن "ثغرة الناتو الكبرى هي اللوجستيات"، وهي العبارة نفسها التي يكررها الجنرال الأمريكي أليكسيوس غرينكيفيتش.

بُنى تحتية غير مؤهلة

لكن المشكلة لا تكمن فقط في القدرات العسكرية؛ فالبنى التحتية الأوروبية — من السكك الحديدية إلى الطرق ومحطات الشحن — تعاني عجزاً تراكم منذ نهاية الحرب الباردة، حين ضُخت الاستثمارات في الدبابات والطائرات على حساب طرق يمكنها تحمّل وزنها. وقد شهدت السنوات الأخيرة حالات مربكة، مثل منع دبابات “لوكلير” الفرنسية من عبور ألمانيا بسبب قيود متعلقة بالحمولة.

ورغم سعي بروكسل إلى تقليص زمن عبور القوات عبر القارة إلى خمسة أيام، يكشف الجنرال فابريس فيولا أن الأمر ما زال “يستغرق عشرات الأيام”. أما محكمة الحسابات الأوروبية فقد انتقدت بشدة بطء المشاريع، محذرة من أن الممرات الأساسية نحو أوكرانيا، خصوصاً في الجنوب، ما زالت شبه مهملة.

مشاريع أوروبية في الظل

ورغم حساسية الملف، تتقدم مشاريع عدة في الظل، فقد وسعت شركة SNCF نفق "موسوجي" ليتناسب مع الدبابات، فيما دشّنت منصة بحرية جديدة في ميناء لا روشيل قادرة على استقبال قطارات بطول 750 مترًا محمّلة بمعدات ثقيلة. 

وعلى الجانب الشرقي الأكثر تعرضًا للخطر، افتتحت بولندا طريقًا جديدًا عبر "ممر سوفالكي"، الذي يعد نقطة ضعف استراتيجية بين بيلاروسيا وكالينينغراد.

ومع محدودية الطرق والسكك المؤهلة، تلجأ الدول أكثر إلى النقل الجوي، إلا أن قدراتها لا تقارن بالأسطول الأمريكي القادر على تشغيل "جسور جوية" ضخمة. ومنذ 2024، فعّلت واشنطن ستة مراكز لوجستية في أوروبا يمكن لأحدثها تجهيز لواء مدرع خلال أسبوع بدلًا من ستين يومًا.

بحث أوروبي عن استقلال لوجستي

ومع احتمال خفض الوجود الأمريكي في أوروبا، تتحرك الدول الأوروبية لبناء استقلال لوجستي أكبر، وتُطرح أفكار مثل "بورصة تبادل" لتنسيق النقل الجوي والبحري، إضافة إلى إنشاء مركز تضامن أوروبي، بينما تضغط فرنسا لتعيين "منسق للحركية العسكرية" وتستثمر أكثر من 150 مليون يورو لتحديث محطات القطارات الثقيلة.

ورغم الخطوات الجارية، تبقى الجيوش الأوروبية في سباق مع الزمن. ففي فرنسا، تأسست قيادة لوجستية جديدة عام 2024 تضم 17 ألف شخص، بهدف دعم لواء كامل بحلول 2027 وفرقة كاملة بحلول 2030.

أخبار ذات علاقة

قوات ألمانية

عودة "الجيش الخارق".. ألمانيا تشعل سباق التسلح في أوروبا

لكن نقص الكوادر المؤهلة يهدد الطموحات، فيما تتطلب العقيدة القتالية الجديدة قدرة الفنيين على العمل قرب الخطوط الأمامية، مع تغيير مواقعهم دوريًا لتجنب الاستهداف.

وهكذا، يظهر أن معركة الناتو الحقيقية لا تُحسم على الجبهة، بل على الطرق والسكك والمرافئ التي يجب أن تتحول بسرعة إلى شرايين قادرة على تغذية أي مواجهة محتملة مع روسيا.

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC