مقتل 5 جنود بتفجير انتحاري في شمال شرق نيجيريا
يشهد ميزان القوى في أوروبا تحولًا جذريًا مع سعي ألمانيا إلى أن تصبح القوة العسكرية الأولى في القارة، في خطوة تُربك فرنسا، وتُثير حذرًا تاريخيًا في بولندا.
وبينما كانت القاعدة غير المعلنة لعقود تقوم على أن "برلين تمسك بالاقتصاد وباريس تمسك في الجيش"، فإن هذا التفاهم التاريخي بدأ يتفكك مع إعادة تسليح ألمانيا على نطاق غير مسبوق، الأمر الذي قلب توازن القوى، وأعاد إلى الواجهة أسئلة ظنّ الأوروبيون أنهم طووا صفحتها قبل 80 عامًا.
واليوم، تجد فرنسا نفسها في سباق مع الزمن كي تحافظ على دورها العسكري المركزي، بينما تنظر بولندا إلى هذا التحول بعين القلق تارة، وبعين الترحيب تارة أخرى، معتبرة أن شراكة ألمانية-بولندية قد تكون السبيل الأكثر واقعية لردع روسيا، رغم تاريخ دموي يصعب محوه من الذاكرة.
وبهذا الإطار، قال النائب الألماني في لجنة الدفاع بالبرلمان، كريستوف شميت: "في كل مكان أذهب إليه، من البلطيق إلى آسيا، يطلب العالم من ألمانيا أن تتحمل مسؤولية أكبر. الجميع يتوقع أن نطابق وزننا الاقتصادي بقوة دفاعية حقيقية".
وألمانيا، التي عُرفت لعقود بجيش ضعيف التجهيز وبيروقراطية مرهقة، تستعد اليوم لامتلاك أكبر جيش في القارة، مسلح بأحدث الدبابات والصواريخ والمقاتلات.
وبحلول عام 2029، من المتوقع أن تنفق برلين 153 مليار يورو سنويًا على الدفاع، أي نحو 3.5% من الناتج المحلي، وهو أضخم توسع عسكري منذ إعادة توحيدها.
في المقابل، ستنفق فرنسا حوالي 80 مليار يورو فقط بحلول العام 2030، بينما تخوض بولندا سباق تسلح خاصًا بها، إذ خصصت (44 مليار يورو هذا العام وحده، لتصبح أعلى دولة إنفاقًا في "الناتو".
وفي الوقت نفسه، يعاني الفرنسيون من دين عام يتجاوز 110% من الناتج المحلي، وعجز يتخطى 5%، بينما تبدو قدرة ألمانيا على الاقتراض وتمويل هذا التوسع غير قابلة للمنافسة.
ووصف مسؤول في الاتحاد الأوروبي لمجلة "بوليتيكو" هذا التحول بأنه "زلزال حقيقي"، فيما قال دبلوماسي آخر: هذا أهم ما يحدث الآن على مستوى الاتحاد الأوروبي".
وتظهر المؤشرات أن ألمانيا تعيد تشكيل سياستها الدفاعية على أساس مصلحة وطنية خالصة، فهي ترفض منح المفوضية الأوروبية دورًا أكبر في مشتريات السلاح، وتتمسّك باستخدام المادة 346 من معاهدة الاتحاد الأوروبي التي تسمح بتجاوز قواعد المنافسة لصالح العقود المحلية.
وكشفت وثائق داخلية، اطّلعت عليها "بوليتيكو"، أن برلين تستعد لتمرير عقود دفاعية بقيمة 83 مليار يورو عبر البرلمان بحلول نهاية العام 2026، تشمل كل ما يتعلق بالجيش من دبابات وفرقاطات إلى أقمار صناعية وطائرات مسيّرة وأنظمة رادار.
هذا ليس سوى "المرحلة الأولى"، إذ توجد خلفه "قائمة أمنيات" ضخمة للجيش الألماني بقيمة 377 مليار يورو، تشمل أكثر من 320 برنامج تسليح جديدا.
والأوضح من كل ذلك هو وجهة هذه العقود: أقل من 10% فقط ستذهب لشركات أمريكية، في انعكاس لتراجع الاعتماد على واشنطن، بينما سيدور معظم الباقي داخل أوروبا، وخاصة داخل ألمانيا نفسها.
وفي فرنسا، ينظر كثيرون إلى إعادة التسلح الألماني بقدر كبير من الشك، وربما الخوف.
ويقول مسؤول أوروبي للمجلة: في فرنسا، يُعدّ الجيش مركز النظام السياسي. بينما في ألمانيا، حتى الآن، لم يكن ذلك جزءًا من الهوية الرسمية.
في المقابل، قال مسؤول دفاعي فرنسي إن نظرتهم إلى ألمانيا "بين اليقظة والتهديد"، مشيرًا إلى أن الهيمنة الألمانية القادمة ستجعل التعاون أكثر صعوبة، وأن السؤال الأكبر هو: هل سيتمكن المستشار الألماني فريدريش ميرتس من سد الفجوة البشرية داخل الجيش الألماني؟.
أما القلق الفرنسي الأكبر فيتعلق بالصناعة، فبرلين لن تحتاج، كما يقول أحد المسؤولين بسخرية مريرة، إلى غزو الألزاس واللورين كما فعلت عام 1940، يكفي أن تشتريهما، وفق تعبيره.
ومشروع المقاتلة الأوروبية المستقبلية FCAS، الذي كان يفترض أن يكون جوهرة التعاون الفرنسي-الألماني-الإسباني، أصبح اليوم محور خلاف شديد، بعد تأخيرات وصراع حول من يحصل على الحصة الأكبر من العمل.
وفي الأسابيع الأخيرة، بدأ مسؤولون ألمان يتحدثون عن بدائل مثل التعاون مع السويد أو بريطانيا أو حتى الاستمرار مع إسبانيا وحدها، وهو ما يثير رعب باريس لأنها ترى المشروع جزءًا من منظومة ردعها النووي، ودليلًا على قيادتها العسكرية الأوروبية.
وعلى عكس فرنسا، تنظر بولندا إلى إعادة التسلح الألماني باعتبارها خطوة "ضرورية ومتأخرة".
ويقول السفير البولندي السابق، مارك ماجييروفسكي: "لا يمكننا أن نطالب الجميع بزيادة الإنفاق الدفاعي ثم نقول: لكن ليس أنت يا ألمانيا".
لكن الذاكرة التاريخية لا تترك وارسو ترتاح تمامًا، فكل مرة تجمع فيها ألمانيا بين قوتها الاقتصادية والعسكرية، كانت أوروبا تدفع الثمن.
ويقول نائب وزير الدفاع البولندي، باويل زاليفسكي: "اليوم تمتلك بولندا أكبر جيش بري في أوروبا. وبالتالي فإن خطط تحديث الجيش الألماني يجب أن تُفهم في سياق إعادة تسلح شامل يجري في كل أوروبا".
كما أن القلق يتضاعف مع مخاوف من أن أكبر حزب يميني متطرف في ألمانيا، حزب AfD، يدعو صراحة لعلاقات مع روسيا، ويتحدث عن "استعادة أراضٍ بولندية"، وهو ما تعتبره وارسو تهديدًا تاريخيًا لا يمكن تجاهله.
والسؤال الأكبر في أوروبا، والذي يشغل بروكسل الآن، هو: هل سيُترجَم هذا الحراك إلى بنية دفاعية أوروبية موحدة؟ أم سيؤدي إلى مزيد من التشرذم؟.
حتى الآن، يبدو صعود ألمانيا وكأنه "عودة إلى تحمل المسؤولية"، وليس رغبة في الهيمنة، لكن حتى الدبلوماسيين الداعمين لذلك يعترفون بأن حجم التغيير "هائل وصعب الاستيعاب".