الكرملين: مشاركة الأوروبيين في مفاوضات أوكرانيا "لا تبشّر بالخير"
مع إنفاق 50 مليار يورو وخطط لإضافة 377 مليارًا أخرى، تخطط ألمانيا لبناء "أقوى جيش في أوروبا"، وتصرف ببذخ على التسلح "حتى أسنانها" وفق وصف تقرير لصحيفة "التلغراف" البريطانية.
وأزالت برلين خلال السنوات القليلة الماضية تدريجيًا القيود المالية على الإنفاق الدفاعي، واستكمل هذه الجهود المستشار فريدريش ميرتس، الذي ألغاها جذريًا، في مسعى لعودة ألمانيا إلى دورها التقليدي في الحرب الباردة.
وأنفقت ألمانيا نحو 50 مليار دولار على مشتريات ضخمة من دبابات قتالية رئيسة، ومدفعية ثقيلة، وطائرات مقاتلة متقدمة، وسفن حربية، إذ يشير إدوارد أرنولد، الخبير في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، إلى أن الألمان يهدفون إلى امتلاك أكبر وأقوى جيش في أوروبا.
ويحوّل هذا التوسع ألمانيا إلى عمود فقري للناتو، خاصة في سيناريو هجوم روسي على دول مثل بولندا أو ليتوانيا، ففي حال وقوع صراع، ستكون برلين محورية، حيث قواتها المتمركزة دائمًا في العاصمة فيلنيوس، إلى جانب الوحدات الرئيسة، ستدعم الحلفاء في صد القوات المهاجمة واستعادة الأراضي.
كما يشير أرنولد إلى أن الألمان سيقدّمون الجزء الأكبر من القدرات الأرضية في أوروبا القارية، مع القوة النارية الرئيسة من برلين وبولندا، مدعومة بالولايات المتحدة. أما نيكولاس دراموند، مستشار دفاعي بريطاني، فيلفت إلى الحاجة لحرب مناورة متكاملة، حيث تعمل الدبابات والمشاة والمدفعية والطائرات بانسجام لدفع العدو خارجًا.
لكن هذا يتطلب جيشًا قادرًا على الانتشار السريع والقتال المكثف، وهذا الطموح يواجه تحديات تاريخية عميقة، وفق "التلغراف" فعلى مدى عقود، أهملت ألمانيا قواتها المسلحة، مفضلة "عائد السلام" بعد توحيد البلاد.
وانخفض الإنفاق من 2.5% إلى 1.4% من الناتج المحلي الإجمالي، مع تقليص الجيش جذريًا، وبين 1992 و2013، تراجع عدد الدبابات القتالية من 6684 إلى 323 فقط، ومركبات المشاة من 3250 إلى 395، والمدفعية من 3214 إلى 130، والطائرات المقاتلة من 553 إلى 205، وفقًا لتحليل معهد كيل.
ويشير جونترام وولف، أستاذ اقتصاد في معهد كيل، إلى أن انخفاض الإنفاق كان لدرجة أن استبدال المعدات أصبح مستحيلًا، إذ إن الألمان كانوا يستخدمون دبابتين لقطع غيار الثالثة، ليؤدي هذا الإهمال إلى إحراجات في مناورات الناتو عام 2014، حيث افتقرت وحدات النخبة إلى المعدات الأساسية.
وكانت سياسة "التغيير من خلال التجارة"، التي اعتمدها المستشاران السابقان أنجيلا ميركل وغيرهارد شرودر، تعتمد على التشابك الاقتصادي مع روسيا لمنع الصراع، لكن حرب أوكرانيا عام 2022، إلى جانب تحذيرات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من تقليص الدعم الأمريكي "دمّر هذا الوهم".
وردًا على ذلك، أعلن المستشار السابق أولاف شولتس "نقطة تحول" عام 2022، محذرًا من "التقليل من تصميمنا على الدفاع عن كل متر مربع من أراضي الناتو". وأنشأ صندوقًا خاصًا بـ100 مليار يورو، وأصبحت ألمانيا ثاني أكبر مانح لأوكرانيا، محققة هدف 2% من الناتو لأول مرة.
وعزّزت عودة ترامب، الذي يطالب بإنفاق يصل إلى 5%، الزخم تحت قيادة ميرتس، ومع ذلك يثير الخبراء شكوكًا حول الكفاية، إذ يكشف تقرير معهد كيل أن روسيا تنتج في سبعة أشهر ما يعادل مخزون ألمانيا الكامل لعام 2021 من الأسلحة الرئيسة.
ووفق أرنولد فإن روسيا ترى ألمانيا دولة قابلة للإقناع، وقد يظن زعيم الكرملين فلاديمير بوتين أن الإرادة السياسية ستتلاشى إذا توقف القتال في أوكرانيا، كما يضيف وولف انتقادات للاستثمار في أنظمة باهظة بدلًا من الطائرات بدون طيار والصواريخ، والاعتماد الزائد على التكنولوجيا الأمريكية مثل إف-35.
ويهدد أيضًا صعود حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتشدد، ثاني أكبر حزب الآن، بموقفه المؤيد لروسيا والمتردد تجاه الناتو، جهود إعادة التسلح، كما يحذر أرنولد أن "دعمهم يتزايد، ما يثير مخاطر إحباط التقدم".
ووفق "التلغراف" فإن عودة ألمانيا ستضغط على حلفاء الناتو لزيادة إنفاقهم، محوّلة القارة إلى قوة دفاعية أكثر استقلالية، لكن لجعل الردع موثوقًا أمام روسيا، تحتاج برلين إلى إرادة سياسية مستمرة، واستثمارات متوازنة، وتكامل أوروبي أعمق.