ذكرت مواقع عسكرية متخصصة أن صورا للأقمار الصناعية، كشفت مؤخرًا عن نشاط كبير لبناء يجري في قاعدة همدان الجوية الإيرانية، غرب البلاد، حيث يتم بناء ملاجئ للطائرات على نطاق ملحوظ. وقالت إن حجم هذه الملاجئ يشير إلى أنها مخصصة لطائرات مقاتلة أكبر وأكثر تقدمًا.
وتكهن محللو الدفاع بأن هذه "الهياكل من المرجح أن تضم طائرات مقاتلة من طراز "سو-35" الروسية"، والتي رشحت العديد من التقارير التي تؤكد أن إيران قد استلمت بالفعل، الدفعة الأولى منها، فيما يتوقع وصول دفعات أخرى منها في المستقبل القريب.
وأفادت وسائل الإعلام الدولية مؤخرًا أن روسيا منحت إيران ترخيصًا لتجميع الطائرات المقاتلة سو-35 وسو-30 محليًا. وإذا تم تأكيد ذلك، فإن هذا التطور يمكن أن يعزز بشكل كبير القوة الجوية الإيرانية، التي تأخرت لفترة طويلة عن فروعها العسكرية الأخرى.
ويربط كثيرون بين الخطوات الإيرانية في تسريع الحصول على طائرات حربية متطورة، بتهديدات رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو المتكررة بأن الهدف التالي لإسرائيل سيكون إيران نفسها.
ويرى هؤلاء أن عودة الرئيس المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض قد تشجع نتنياهو على نقل المعركة من لبنان وغزة إلى طهران.
لكن خبيرين تحدثا إلى "إرم نيوز" استبعدا أن تقوم إسرائيل بشن هجوم على إيران، وأشارا إلى أن وصول الطائرات الروسية إلى إيران لا علاقة له باستعدادات طهران لضربات إسرائيلية بدعم ترامب أو من دونه.
في هذا السياق، يعتقد الخبير العسكري والإستراتيجي السوري، كمال الجفا، أن استحواذ إيران على طائرات سو-35 ليس نتيجةً لعقد جديد مع روسيا، وإنما يعود لعقد قديم يُنفذ حاليًا، وهذا التسليم لا يعني أن هناك قرارًا روسيًا مختلفًا عبر تسريع تسليم هذه الطائرات، بل قد يكون جزءًا من مقايضة أوسع لدعمها العسكري لروسيا خلال حملتها في أوكرانيا، خاصة أن الحديث يدور عن أن روسيا منحت إيران ترخيصًا لتجميع الطائرات المقاتلة سو-35 وسو-30 محليًا.
وزودت طهران موسكو بآلاف الطائرات دون طيار من طراز شاهد-136 الانتحارية، ومؤخرًا الصواريخ الباليستية المستخدمة لاستهداف المواقع العسكرية والبنية التحتية الأوكرانية.
ويرى الجفا أن استلام مقاتلات سو-35 يمثل خطوة إيرانية روتينية نحو تحديث قوتها الجوية المتقادمة، والتي تعتمد حاليًا على تحديث الطائرات أمريكية الصنع عبر "الهندسة العكسية" علمًا أن تلك الطائرات عمرها عقود مثل F-4 Phantom و F-14 Tomcat و F-5، والتي تم شراؤها خلال عهد الشاه الموالي للغرب قبل ثورة 1979.
يعرب الخبير الجفا عن اعتقاده أن الحرب التي توقفت في لبنان لن تنتقل إلى إيران "بأي شكل من الأشكال"، مشيرًا إلى أن طهران كانت جزءًا أساسيًا من اتفاق الهدنة بين إسرائيل ولبنان، وبالتالي لو كان هناك نية حقيقية بضرب طهران وشن هجوم كبير عليها، لكان من الأولى استمرار الحرب في لبنان وتقويض وإنهاء قدرات حزب الله وتدميره بالكامل.
ويلفت إلى أن "الاتفاق لم يتضمن نزع سلاح حزب الله كما هو الحال في 2006، إذ سيُعاد تنفيذ نفس بنود الاتفاق. ومايمكن قراءته من الاتفاق هو أنه جرت المحافظة على توازن القوى في المنطقة في حالة اللاسلم واللاحرب. وهذا لا يؤدي إلى إنهاء دور حزب الله، إن كان الدور السياسي أو العسكري.
وبالتالي - بحسب الجفا - لن يكون هناك أي ضربات على إيران بل سيكون هناك اتفاق، وما الدعوة لاجتماع حول الاتفاق النووي الإيراني، بعد أيام، من قبل بعض الدول الأوروبية، إلا للتهدئة وللوصول إلى إطار اتفاق نووي.
ويلفت إلى أن ما قام به ترامب خلال ولايته السابقة والانقلاب على الاتفاق النووي مع إيران لن يحدث الآن، ذلك أن ترامب في الدورة السابقة غير ترامب في الدورة الحالية.
ويرجح الجفا ألا ترد إيران على الهجوم الإسرائيلي الأخير، كما توعدت من قبل، مشيرًا إلى أن المفاوضات التي جرت تحت الطاولة بعيدًا عن العين بين عدة أطراف بما يخص هدنة لبنان وإسرائيل، تضمنها دور إيراني فاعل.
من هنا يرى الخبير العسكري والإستراتيجي السوري أن اتفاق لبنان سيؤدي إلى التهدئة في المنطقة، ليس فقط على الملف اللبناني، وإنما على الملف السوري، ولهذا فإن تعزيز القدرات العسكرية الإيرانية ليس مرتبطًا لا بهجوم إسرائيلي أو أمريكي، ولا بعودة ترامب.
وأوضح "لا أعتقد أن هناك خططت من ترامب لضرب إيران على الإطلاق، هناك توازنات عسكرية في المنطقة ستبقى، ولن يتم الإخلال بها، وبالتالي من الطبيعي أن تقوم روسيا بدعم القدرات الجوية لإيران، والتي من المفروض أن تكون موازية للقدرات الجوية المتواجدة لدى تركيا وربما بنسبة أقل أيضًا لدى إسرائيل"، وهذا أمر عادي وروتيني وليس مؤشرًا على تصعيد قادم.
لا يختلف رأي المحلل السياسي الأردني صلاح ملكاوي عما قاله الخبير الجفا، لجهة استبعاده فرضية اندلاع حرب بين إسرائيل وإيران، حتى مع قدوم إدارة أمريكية جمهورية جديدة.
ويرى ملكاوي أن ترامب سيطبق سياسة أقل حدة مع إيران في إدارته المقبلة "على عكس الفترة الرئاسية السابقة، وأيضًا عكس ما نسمعه في خطاباته وخطابات فريقه الرئاسي".
ويقول إن واحدًا من أهم المؤشرات التي تؤكد استبعاد فرضية نشوء صراع أو حرب مجددًا، هو أن العلاقات الخليجية - الإيرانية، وخاصة السعودية مع إيران مستقرة، ولن يتم خسارة ما تم تحقيقه مؤخرًا.
ويشير المحلل السياسي الأردني إلى أن إيران طبقت خلال الحرب الأخيرة سياسة منضبطة ولم تذهب بعيدًا في استثمار الورقة اللبنانية، كما لم تستمر باستثمار ورقة غزة.
على الرغم من النشوة التي يشعر بها نتنياهو، كما يقول ملكاوي، من المستبعد أن يندلع أي نوع من الصراع بين إيران وإسرائيل "النشوة التي يشعر بها نتنياهو اليوم واعتباره بأنه حقق انتصارات كبيرة، تقابلها أثمان كبيرة دفعتها إسرائيل"، ومن هنا يرجح أن نتنياهو لن يكون الرجل المناسب للمرحلة المقبلة.
ويخشى ملكاوي من أن أي معركة قادمة - إن حصلت- فإن ساحتها ستكون العراق، مرجحًا فكرة وصول الإدارة الأمريكية القادمة إلى تفاهم كبير مع إيران.
أما وصول طائرات "سوخوي - 35" الروسية إلى إيران، إن كان حقيقيًا، فيعود لعقود قديمة، وقد آن أوان تسليمها اليوم ربما، تزامنًا مع اللحظات المعقدة التي يمر بها الشرق الأوسط، وفقًا لملكاوي.