قالت مجلة "نيوزويك" الأمريكية إن شكل "الضمانات الأمنية" في أوكرانيا لا يزال نقطة خلاف أساسية مع روسيا.
وأضافت المجلة أنه "قد تكون الجهود المبذولة لإيجاد تعريف مشترك حاسمة لتحقيق تقدم" في هذا المجال.
كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قال إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وافق على قبول ضمانات بشأن أوكرانيا خلال لقائهما في ألاسكا يوم الجمعة، فيما وصفه الرئيس الأمريكي بأنه "خطوة بالغة الأهمية".
وتعهد ترامب بالالتزام بالدفاع عن أوكرانيا بعد الحرب خلال اجتماعه مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وقادة أوروبيين يوم الاثنين، وهي خطوة لاقت ترحيبًا من زواره.
ويرى ألكسندر تشيكوف، المحاضر في قسم العلاقات الدولية والسياسة الخارجية الروسية بمعهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية أن "المشكلة الرئيسية المتعلقة بالضمانات الأمنية في اختلاف فهم آلياتها".
وأضاف تشيكوف أن "أوكرانيا ودول أوروبا الغربية تنظر إلى هذه الضمانات على أنها التزامات أمنية غربية تجاه أوكرانيا، مدعومة بمجموعة من التدابير مثل مبيعات الأسلحة والمساعدة العسكرية للجيش الأوكراني، وزيادة التعاون العسكري التقني، وربما حتى تمركز بعض القوات الأوروبية في أوكرانيا".
وتابع بقوله: "مع ذلك، تفسر روسيا الضمانات الأمنية بشكل مختلف: فهي لا تفسرها على أنها التزامات غربية أحادية الجانب تجاه أوكرانيا، بل كنظام التزامات متعدد الأطراف لا يشمل الغرب فحسب، بل يشمل أيضًا روسيا نفسها، وربما بعض القوى الكبرى غير الأوروبية الأطلسية".
ومن هذا المنطلق، يرى بأن أحد العوامل الحاسمة لنجاح المفاوضات المستقبلية سيكون القدرة على التوفيق بين المنظور الغربي للضمانات والمنظور الروسي.
منذ بداية الصراع، الذي أطلقته روسيا على نطاق واسع في فبراير/شباط 2022 بعد ثماني سنوات من مساعدة الانفصاليين المتحالفين معها في شرق أوكرانيا واحتلال شبه جزيرة القرم، جادل بوتين بضرورة معالجة "الأسباب الجذرية" للحرب في أي تسوية.
تُعدّ هذه اللغة جوهرية في الرواية الروسية المحيطة بالصراع، والتي لا تُصوّر على أنها "حرب عدوان" كما يُصوّرها الغرب غالبًا، بل كـ"عملية عسكرية خاصة" مُخصصة لحماية الأقليات الناطقة بالروسية، وربما الأهم من ذلك، منع المزيد من توسع حلف شمال الأطلسي (الناتو) قرب حدود روسيا.
في حين انصبّ التركيز بشكل كبير على مساحة الأراضي التي استولت عليها روسيا - ما يقرب من خُمس مساحة أوكرانيا - أشار تشيكوف إلى ضرورة معالجة مسألة الأراضي، إلى جانب التدابير الاقتصادية، كجزء من اتفاقية أوسع نطاقًا تتضمن أيضًا ضمانات أمنية.
وقال تشيكوف إنه ومن خلال اجتماع ألاسكا والمؤتمر الذي تلاه في واشنطن، لاحظنا إضفاء طابع مؤسسي على عدة مسارات للمفاوضات بشأن الأزمة الأوكرانية.
وأضاف: "تشمل هذه القضايا الضمانات الأمنية، والقضايا الإقليمية، وتخفيف العقوبات الغربية المفروضة على روسيا. جميع هذه المواضيع مترابطة، ويبدو الحل النهائي للأزمة الأوكرانية أكثر إيجابية إذا ما عُولجت معًا".
وبين دعوات روسيا لتدخل أكبر في شؤون الأمن الأوروبي، ومطالبة حلفاء الولايات المتحدة بالتزامات صارمة تُرسخ دفاع أوكرانيا، يقف ترامب، الذي أشاد بطرفي النزاع وانتقدهما في آنٍ واحد.
أعرب ترامب مرارًا وتكرارًا عن اعتقاده بأن بوتين كان صادقًا في انخراطه في محادثات لإنهاء الحرب، بعد فترة من الخطابات الحادة تجاه الزعيم الروسي.
وكان آخر لقاء لترامب مع زيلينسكي أكثر ودية بكثير من الحادثة المتفجرة التي اندلعت في البيت الأبيض خلال لقائهما السابق في فبراير.
ولكن هناك جوانب رئيسية اختلف فيها ترامب، الذي نصّب نفسه وسيطًا رئيسيًا في محادثات السلام، مع كييف وحلفائها الأوروبيين، وتحديدًا في تجنبه جهود التوصل إلى وقف إطلاق النار قبل التوصل إلى تسوية نهائية، وتأكيده على ضرورة "تبادل الأراضي" كجزء من أي اتفاق، والتشديد على أن أوكرانيا لن تنضم إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو).
وبالتالي، يبدو أن تعريف ترامب للضمانات الأمنية يختلف أيضًا عن تلك التي عبّر عنها القادة الأوروبيون الذين غادروا واشنطن العاصمة مؤخرًا.
من جهته، قال تشارلز كوبشان، الزميل البارز في مجلس العلاقات الخارجية والأستاذ في جامعة جورج تاون، لمجلة نيوزويك: "هناك نوع من التوتر الكامن لم يُحل بعد، وهو أن ترامب رفض توسيع الناتو، ورفض عضوية أوكرانيا، وهذه إدارةٌ لها تاريخٌ في النظر بتشكك إلى المساعدات المُقدمة لأوكرانيا".
وأوضح ترامب موقفه يوم الثلاثاء، مقدمًا "ضماناته" خلال مقابلة مع برنامج "فوكس آند فريندز" بأن أي ضمانات لن تشمل نشر قوات أمريكية في أوكرانيا.
كما كشف أن الحلفاء الأوروبيين قد يكونون على استعداد لإرسال جنود، وأن الولايات المتحدة "مستعدة لمساعدتهم في بعض الأمور"، بما في ذلك الدعم الجوي.
بدوره، قال فرانز ستيفان غادي، الزميل المساعد في مركز الأمن الأمريكي الجديد، إن "السؤال الأصعب الذي لا يزال بلا إجابة بالنسبة لأوروبا" يتلخص في "ما الذي تعنيه أوكرانيا حقًا للهيكل الأمني الأوروبي، وما الذي تستعد أوروبا للمخاطرة به لضمان بقاء أوكرانيا دولة مستقلة موالية للغرب؟"
وتساءلت المجلة: "هل الدول الأوروبية مستعدة لخوض حرب ضد روسيا؟".
وختمت: "إذا كانت الإجابة لا، فإن أي قوة طمأنة أوروبية في أوكرانيا، مدمجة مع القوات الأوكرانية، لن تكون قادرة على ردع أي عدوان روسي مستقبلي".