فجرت تصريحات المستشار فريدريش ميرتس، التي لم تستبعد احتمال مشاركة الجيش الألماني في مهامٍ تتعلق بأمن أوكرانيا بعد أي اتفاق سلام، جدلًا واسعًا في الشارع الألماني.
وبحسب صحيفة "لوموند" الفرنسية، فإن حزب “البديل من أجل ألمانيا” استغل سريعا هذه التصريحات، فبادر إلى نشر صورة مركبة لـ"ميرتس" محاطا بشباب بوجوه متجهمة، وأرفقها بعبارة: “ميرتس يريد أن يرسلك إلى أوكرانيا؟ نحن لا!”.
هذه الرسالة المباشرة لامست شعورا بالقلق لدى فئات واسعة، خاصة في ظل نقاش متصاعد حول إعادة التجنيد الإلزامي.
وقالت الصحيفة إن الجدل لم يقتصر على المعارضة فحسب، بل امتد إلى داخل الائتلاف الحاكم. أصواتٌ طالبت ميرتس باستبعاد أيِّ احتمال لإرسال جنود بشكل قاطع، محذّرةً من مخاطر التورط المباشر في الحرب. آخرون ربطوا الأمر بوضوح بمشاركة الولايات المتحدة، معتبرين أن أيَّ خطوةٍ منفردة من ألمانيا غير واردة.
ويرى مُراقبون أن الحديث عن احتمال نشر قوات ألمانية، حتى في إطار مهام “أمنية” أو “تحت مظلة سلام”، اصطدم سريعا بذاكرةٍ تاريخية مثقلة. ألمانيا ما بعد الحرب العالمية الثانية صاغت هويتها السياسية على الابتعاد عن التدخلات العسكرية، وأي نقاش يعيد إلى الأذهان تلك الحقبة يثير حساسيات خاصة داخل المجتمع.
وتجدر الإشارة إلى أن النقاش حول أوكرانيا ترافق مع أزمة داخلية يعيشها الجيش الألماني.
وأكدت تقارير رسمية وجود نقص في العتاد والمعدات، فضلا عن أزمة تجنيد واضحة، حيث تسعى الحكومة لرفع عدد الجنود إلى 203 آلاف في السنوات المقبلة، بينما يقف الرقم الحالي عند حدود 180 ألفا فقط. هذه الفجوة تثير تساؤلات حول واقعية أي مشاركة خارجية جديدة.
وفي هذا السياق حذَّر هينينغ أوتي، مسؤول الشؤون العسكرية في البوندستاغ (من الحزب الديمقراطي المسيحي)، يوم الأربعاء، على قناة DLF: "هناك أمرٌ واحدٌ يجب تجنّبه: قبول المزيد من المهام وعدم تعزيز فيلق الأفراد".
ويهدف الجيش الألماني إلى زيادة عدد أفراده إلى 203 آلاف جندي، مقارنةً بـ180 ألف جندي حاليا. ومن المقرر أيضا مناقشة مشروع قانون يهدف إلى إعادة فرض الخدمة العسكرية تدريجيا في الخريف.
أكَّد خبراء أن النقاش حول إرسال قوات أعاد أيضا إلى السطح ملف الخدمة العسكرية الإلزامية، المعلّقة منذ عام 2011. مشروع قانون جديد يُنتظر عرضه في الخريف المقبل أثار قلق الأسر الألمانية التي تخشى أن يجد أبناؤها أنفسهم في واجهة أي تصعيد محتمل.
من جانبه، لم يقدّم ميرتس خطةً واضحة، بل تحدث عن ضرورة النظر في مختلف السيناريوهات، لكن كلماته، التي جاءت بين السطور، فُسّرت على نطاق واسع كإشارة إلى تغيير محتمل في سياسة برلين.
ردود الفعل الغاضبة كشفت أن الرأي العام لا يزال متمسكًا بالحذر الشديد تجاه أي انخراط عسكري مباشر.