شهدت غينيا بيساو، اليوم الأربعاء، انقلاباً عسكرياً، أنهى حكم الرئيس عمر سيسكو، حيث أعلنت مجموعة عسكرية، استيلاء الجيش على السلطة، مؤكدة إغلاق حدود البلاد، وتعليق العملية الانتخابية، التي يبدو أن الجدل حولها عجل بتنفيذ الانقلاب، خاصة وأن الرئيس المطاح به ومنافسه الرئيسي أعلن كل واحد منهما الفوز، حتى قبل إعلان لجنة الانتخابات النتائج.
ويطرح التحاق غينيا بيساو بركب الدول الإفريقية التي شهدت انقلابات عسكرية خلال السنوات الماضية، تساؤلات عن أسباب الانقلاب الجديد؟ وما هي انتظارات الغينيين من قادتهم العسكريين بعد أن نجحوا أخيراً في إنهاء حكم سيسكو بالقوة؟
ويقول الصحفي المهتم بالشوؤن الأفريقية، أحمد الحسن، في تصريح لـ "إرم نيوز"، إن "الانقلابات في القارة السمراء لا تخضع للمنطق، فهي في أحيان كثيرة لا تكون مبررة، لكون جيوشها ليست مهنية، وبالتالي تُبقي عيناً على الكرسي الرئاسي أكثر من المهام المنوطة بها في الميدان، ومن هنا يمكن أن نتفهم الانقلاب الجديد في غينيا بيساو، فهو يرتبط بشكل مباشر بأزمة الانتخابات الرئاسية الأخيرة".
وأشار الحسن إلى أن "الجيش في بيساو ليس غريباً على السلطة، لأنه لا يفرط في فرصة للانقضاض عليها تحت مبررات مختلفة، وقد وجد فرصة سانحة في إعلان الرئيس عمر إمباله نجاحه في انتخابات تشوبها الكثير من علامات الاستفهام، خاصة وأن الجيش حاول من قبل الإطاحة بالرجل، وهو ما نجح فيه هذه المرة بغض النظر عن الأسباب التي يتوقع أن يقدمها الانقلابيون خلال الأيام المقبلة، عندما ينتهون من عملية ترتيب بيتهم الداخلي وتوزيع المهام والصلاحيات"..
من جانبه، أرجع المحلل السياسي مصطفى محمد عمر، في حديث لـ"إرم نيوز"، أسباب الانقلاب إلى "تصرفات الرئيس المعزول عمر سيسكو إمباله، الذي أراد البقاء في السلطة وحرم المعارضة من المشاركة في الانتخابات من أجل تمديد حكمه"، مؤكداً أنه "لم يستخلص الدروس من المحاولة التي نجا منها بأعجوبة في 2022، وبالتالي استغلت وحدات من الجيش حالة الانقسام السياسي الحالية، لتنفيذ الانقلاب حتى قبل أن تندلع الاحتجاجات الرافضة لنتائج الانتخابات الرئاسية".
وقال مصطفى محمد عمر، إن "الانقلاب في غينيا بيساو يأتي أيضاً متناغماً مع المزاج العام للعسكريين الشباب في غرب أفريقيا، الذين جنحوا في السنوات الأخيرة إلى الانقلابات للتخلص من أي رئيس يكبرهم سناً، كما حدث في مالي وبوركينا فاسو، وغينيا كوناكري، وحتى في النيجر"، لافتاً إلى أن "الشعبوية التي طبعت حكم الضباط الشباب وتسويقهم للتخلص من مخلفات الاستعمار التقليدية لحصد التأييد الداخلي، وضعت بلدانهم فريسة للجماعات المتشددة، فضلاً عن مشاكل اقتصادية عمقت أزماتها".
من جهته، أكد أحمد الحسن في حديثه لـ"إرم نيوز"، أنه "بغض النظر عن دوافع الانقلاب في غينيا بيساو، وسواء كان مخططاً له تماشياً مع موجة الانقلابات في القارة، أو تم بمبادرة فردية، إلا أن التجربة الإفريقية علمتنا دوماً أن لا نراهن على العسكريين".
المبررات التي قدمها البيان الأول للانقلابيين، خلت من أي إشارة لمعالم المرحلة الانتقالية، فقد اكتفوا بإعلان تعليق الانتخابات، والتأكيد على أن هدفهم استعادة النظام والأمن، وفي هذا السياق يرى أحمد الحسن، أنه "من المبكر الحكم على توجهات قادة انقلاب غينيا بيساو، لأنهم مجهولون حتى الساعة، لكن اعتقالهم لقائد الأركان ومساعده مع الرئيس المعزول، يعطي مؤشراً على أن من نفذوا الانقلاب ليسوا من الصف الأول"، موضحاً أن "محتوى البيان الأول والذي أكد الاستيلاء على السلطة وإغلاق الحدود، يؤكد أن الانقلاب نفذ بطريقة مرتجلة قد لا يكون أصحابه لديهم الإجابة على السؤال الأبرز، ماذا بعد نجاح الانقلاب؟".
أما مصطفى محمد عمر، فيرى في حديثه لـ"إرم ينوز"، أن "قادة الانقلاب إذا حاولوا استنساخ تجربة دول الجوار، فلا يمكن الحديث عن العودة للنظام الدستوري في السنوات المقبلة على الأقل".
وخلص مصطفى إلى القول "إن تجربة مالي وبوركينا فاسو وغينيا كوناكري وحتى النيجر، لا تبشر بما ينتظر الغينيين في بيساو، فهؤلاء الحكام الذي رفعوا عصا الطاعة ضد فرنسا، لم يقدموا شيئاً يذكر لبلدانهم التي تتخبط في صراع مع الجماعات المتشددة، بينما يرفض غالبيتهم مجرد الحديث عن إجراء انتخابات، ويفضلون الفترات الانتقالية المفتوحة"، متوقعاً أن "لا يكون انقلابيو بيساو استثناءً" وفق قوله.