أكد خبراء استراتيجيون ومختصون في العلاقات الدولية أن تلويح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للغرب بكوريا الشمالية كحليف استراتيجي لا تكمن أهميته فقط في آثار هذا التحالف، بل في إمكانية انضمام الصين إليه خلال الفترة المقبلة.
وأوضحوا في تصريحات لـ"إرم نيوز" أن ما يقلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالدرجة الأولى هو احتمال انضمام الصين إلى هذا التحالف، الأمر الذي قد يترتب عليه تغييرات كبيرة في معادلات التوازن العسكري والاستراتيجي على المستوى الدولي.
وأشار الخبراء إلى أن رسائل التلويح الروسية جاءت في أشكال متعددة، أبرزها اللقاء الذي جمع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون ووزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في مدينة وونسان الساحلية، التي تُعد مركزًا للصناعات الصاروخية والبحرية الكورية، ولا سيما في تصنيع راجمات الصواريخ والقذائف المدفعية متعددة الأنظمة.
وكان لافروف قد نقل رسالة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الزعيم الكوري الشمالي، أكد فيها التزامه بجميع الاتفاقيات الموقعة بين الجانبين، قائلًا خلال اللقاء: "يرسل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أحر التحيات لكم، ويؤكد تعهده فيما يخص جميع الاتفاقيات التي تم التوصل إليها".
كما أثنى لافروف، وفق بيان لوزارة الخارجية الروسية، على دور الجيش الكوري الشمالي في السيطرة على مقاطعة كورسك، وذلك بعد أشهر من الصمت المتبادل بين الدولتين حول دور قوات كورية شمالية في دعم الجيش الروسي لاستعادة السيطرة على المقاطعة من القوات الأوكرانية، تنفيذًا لمعاهدة الدفاع المشترك الموقعة بين زعيمي الدولتين في يونيو/حزيران من العام الماضي.
تحالف غير قابل للاختراق
يقول الخبير الاستراتيجي هاني أمين، إن موسكو وبيونغ يانغ تعملان بشكل واضح على تأسيس تحالف قوي وفعّال، لا يمكن التلاعب به، في وقت تسعى فيه واشنطن وأوروبا إلى إبقاء التحالفات البعيدة عنها تحت نوع من السيطرة، سواء المباشرة أم غير المباشرة، عبر المصالح أو نقاط النفوذ.
وأوضح أمين في تصريحات لـ"إرم نيوز" أن تعزيز التحالف بين كوريا الشمالية وروسيا يُعد نقلة نوعية في مستوى التهديدات والتلويحات السياسية، خاصة في ظل تفاصيل الاتفاقات الاستراتيجية الأخيرة، التي تشمل مستويات عسكرية عالية.
وأكد أن كوريا الشمالية ليست خاضعة بأي شكل لمسارات المجتمع الدولي التي يفرضها الغرب، والتي تخدم مصالح الولايات المتحدة والدول الأوروبية. ومن ثم، فإن تعزيز التحالف مع موسكو يمثل رسالة قوية بأن هناك طرفًا خارج نطاق التأثير الغربي المعتاد.
وأضاف أن التحالف الدفاعي بين الجانبين يُعد ورقة ضغط تلوّح بها موسكو، خاصة بعد تصريحات ترامب الأخيرة بشأن أوكرانيا، والتي تعكس توجهًا جديدًا قد يتعارض مع سياساته السابقة التي طالما دعت إلى إنهاء الحرب وتحجيم النفوذ الأوروبي قرب الحدود الروسية.
وأشار إلى أن المواقف المتقلبة لترامب تجاه موسكو تعقّد المشهد أكثر، في ظل فرض روسيا معادلة عسكرية يصعب تجاوزها ميدانيًا في أوكرانيا، تزامنًا مع ضغوط داخلية تمارس على ترامب لدفعه نحو استمرار الدعم العسكري لكييف.
تحالف قائم على الإنجاز الميداني
من جهته، يرى الخبير في العلاقات الدولية، راضي إسماعيل، أن موسكو أوصلت رسائلها للغرب من خلال لقاء لافروف وكيم جونغ أون، واختيار مدينة وونسان، التي تُعد مركزًا عالميًا في صناعة الصواريخ والمدفعية المتعددة الأنظمة، كرمزية ذات مغزى.
وأوضح إسماعيل في تصريحات لـ"إرم نيوز" أن الاتفاقيات متعددة الأبعاد التي تم توقيعها في يونيو 2024، وعلى رأسها الاتفاق العسكري، بدأت في الترجمة الفعلية على الأرض، وذلك من خلال مشاركة نحو 12 ألف جندي كوري شمالي في معركة تحرير كورسك، وهو ما غيّر ميزان المعركة لصالح موسكو في توقيت كانت فيه الضربات الغربية في ذروتها.
وأضاف أن مشاركة بيونغ يانغ لم تأت فقط كمكافأة من موسكو، بل بهدف تعميق هذا التحالف، خصوصًا مع تزايد ثقة الكرملين في الشريك الكوري، الذي أثبت التزامه الميداني.
وأشار إسماعيل إلى أن التحالف انعكس أيضًا على تعافي الاقتصاد الكوري الشمالي، من خلال شراكات في الصناعات البحرية والعسكرية، التي ساهمت في تحديث القدرات الصناعية لبيونغ يانغ، ومنحها حضورًا غير مباشر في الأسواق الدولية عبر القنوات الروسية.
ما يقلق ترامب فعلًا
واختتم إسماعيل حديثه بالتأكيد على أن ما يقلق ترامب ليس فقط فاعلية التحالف بين روسيا وكوريا الشمالية، بل السيناريو الأخطر يتمثل في انضمام الصين إليه، مما سيغيّر موازين القوى العسكرية والاستراتيجية على مستوى العالم، ويضع الولايات المتحدة في موقع دفاعي غير مسبوق.