كشف مسؤولون أفارقة وخبراء عن عبء يشكله استمرار المجلس العسكري في النيجر في احتجاز الرئيس المعزول محمد بازوم بعد مضي نحو سنتين على تنحيته إثر انقلاب.
وبعد فشل وساطة المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس" وعدد من الرؤساء في تحريره، تجري على الهامش "دبلوماسية موازية"، كما يتزايد الضغط على الرئيس السابق محمدو أيسوفو للتدخل في قضيته.
ولايزال بازوم محبوسا بين 4 جدران في غرفة صغيرة بالقصر الرئاسي في نيامي منذُ الـ26 من شهر تموز/يوليو من عام 2023، بعدما سلبه عبد الرحمن تياني، رئيس حرسه المقرب، السلطة، بدعم جزء من الجيش النيجري. ولم يرغب بازوم قط في الاستقالة من منصبه رئيس الدولة المنتخب ديمقراطيًا في شهر شباط/فبراير لعام 2021.
وذكرت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية، الأحد، كواليس ضغوط يتعرض لها محيط تياني للإفراج عن مصير بازوم. فإلى جانب كل مشكلات النيجر التي يعجز عن حلها، اتخذ "الرئيس الرهينة" وزوجته درعا يحميه من أعدائه، داخليًا وخارجيًا.
لكن مع مرور الأيام، يتدهور الوضع، ويصبح هذا الدرع البشري "مُرهقًا"، كما يقول الكاتب النيجري سيدك أبا.
وأمام الجنرال تياني عدة خيارات، يتساءل دبلوماسي أوروبي: "هل يُعدم رئيسه السابق؟ في حين رُفعت الحصانة الرئاسية عن محمد بازوم في شهر حزيران/يونيو من عام 2024، وأراد المجلس العسكري الحكم عليه بالإعدام بتهمة الخيانة العظمى، إلا أنه لم يُحاكم قط"، محذرا من أن إعدامه سيُشعل فتيل الأزمة في بلدٍ يشهد فوضى عارمة.
وقد يُخاطر هذا في نهاية المطاف بتحويل الرجل المحتجز في نيامي إلى نيلسون مانديلا جديد.
أما الحل الآخر لتياني، وفقًا للصحيفة، "فهو إطلاق سراح بازوم، ولكن دون أن يفقد ماء وجهه، إذ قد يكون رجل واحد مفتاح الحل وهو محمدو إيسوفو".
وكان رئيس النيجر من عام 2011 إلى عام 2021 يتمتع بشعبية كبيرة، إذ تنحى عن منصبه بعد ولايته الثانية، في خطوة نادرة في القارة.
وصرح قائلًا: "لا أريد الانخراط في التلاعبات التي نراها عادةً في أفريقيا. ليس لديّ غرورٌ يجعلني أعتقد أنني رجلٌ لا يُعوّض"، مشيدًا بانتخاب خليفته، محمد بازوم، الذي دعمه في سنواته الأولى.
وهذا الموقف النبيل أهله لنيل جائزة "مو إبراهيم"، التي تُمنح سنويًا لقائد أفريقي يُحتفى به في مجال الحكم الرشيد، بحسب الصحيفة، التي اعتبرت "أن الرجل اللطيف، المعروف بموالاته لفرنسا قد أخفى لعبته المزدوجة، جيدًا".
وخلف الكواليس، يُقال إن محمدو إيسوفو كان أحد مهندسي انقلاب الـ26 من شهر تموز/يوليو لعام 2023، الذي قاده تياني، رئيس دائرته المقربة عندما كان يحكم النيجر.
وتساءل التقرير الفرنسي "هل كان الرجلان متواطئين؟ لم يرغب إيسوفو وعشيرته، خاصة ابنه ساني، وزير الطاقة آنذاك، في فقدان السيطرة على إنتاج النفط في النيجر، الذي كان خليفته بصدد إعادة تنظيمه للقضاء على الفساد".
وتصاعد الضغط يومي 1 و2 من شهر حزيران/يونيو في مدينة مراكش المغربية، فقد عُقد المنتدى السنوي لمؤسسة مو إبراهيم وحضر أكثر من ألف شخص، من بينهم رؤساء دول ووزراء ودبلوماسيون ومسؤولون أمميون وقادة أعمال ومثقفون من جميع أنحاء العالم للمشاركة في هذا الحدث الذي نظمه الملياردير الأنجلو-سوداني.
وفي كلمته الترحيبية، أصرّ مو إبراهيم، بحضور الرئيس النيجيري السابق الجالس في الصف الأمامي، على الحاجة المُلِحّة لإطلاق سراح محمد بازوم.
وفي اليوم التالي، وخلال نقاش حول مستقبل أفريقيا الاقتصادي، حاول إيسوفو التعليق، فرفض مو إبراهيم بشدة، وطلب منه أولاً التركيز على بازوم.
ووصفت الصحيفة ذلك بـ"الإذلال للرجل الذي كان حائزاً جائزة المؤسسة قبل 4 سنوات".
كما طلب عدد من أعضاء فريق إدارة المؤسسة الحاضرين في مراكش من الملياردير سحب جائزته، وتجاهل الجميع محمدو إيسوفو، لكنه اعترف، على هامش ذلك، بأنه شعر بأنه "غير مرغوب فيه"، وأوضحوا له أنه إذا أسهم في إطلاق سراح بازوم، فيمكنه الاعتماد عليهم لاستعادة صورته "المتضررة بشدة".
وبعد أسبوعين، في الـ12 من شهر حزيران/يونيو، استدعى الجنرال تياني جميع رؤساء النيجر السابقين، ورؤساء الوزراء، ورؤساء الجمعية الوطنية، وكبار الضباط العسكريين إلى القصر الرئاسي في نيامي من الساعة 12 ظهرًا حتى الساعة 5 مساءً.
وخلال الاجتماع، رفض أحد الجنرالات وجود إيسوفو، الذي اعتبره "أكبر خائن للنيجر، والمسؤول عن كل المصائب الحالية"، فيما اتهموا تياني، بالإهمال، وتساءلوا عن اختطاف محمد بازوم.
وفي أوائل شهر تموز/يوليو الماضي، تلقى محمدو إيسوفو، المحاصر في موقف حرج، دعوات متجددة للإفراج عن الرئيس الأسير من الأوروبيين، في حين قرر رئيس نيجيريا بولا تينوبو العودة إلى الوساطة، شارك الإيفواري الحسن واتارا، الذي لم يخفف الضغط قط، في كل محاولة.
وتساءل التقرير الفرنسي حول فرص نجاح الدبلوماسية الموازية مقارنة مع جميع الإجراءات الرسمية، التي اتُخذت خلال العامين الماضيين، إذ لم تُثمر أيٌّ من تدخلات "إيكواس" أو الاتحاد الأوروبي أو الأمم المتحدة.
ويعتقد سيدك أبا أن "جنون العظمة لدى النظام، الذي يخشى التدخل الخارجي قبل كل شيء، يحول دون تحقيق الكثير"، معبرا عن عدم تفاؤله بشأن مصير بازوم على المدى القريب.
ويصر تياني، الذي أغلق بلاده، على موقفه بأن معركته موجهة ضد "قوات زعزعة الاستقرار الفرنسية"، التي يتهم سجينه بالتواطؤ معها.