أعلنت غانا عن موافقتها على استقبال المهاجرين المرحلين من الولايات المتحدة، في خطوة تلقي الضوء على التحولات العميقة في العلاقات بين الدول الأفريقية وإدارة ترامب في فترة ولايته الثانية.
وكشف الرئيس الغاني جون ماهاما في أول مؤتمر صحفي له منذ توليه السلطة عن تلقي بلاده طلبًا من واشنطن لقبول رعايا طرف ثالث تم ترحيلهم، مشيرًا إلى أن الاتفاق يشمل فقط مواطني غرب أفريقيا، حيث وصلت الدفعة الأولى المكونة من 14 شخصًا، بينهم العديد من الإخوة النيجيريين.
وتضع هذه الخطوة غانا ضمن مجموعة من 12 دولة تتعاون مع واشنطن بشأن إزالة المهاجرين، ما يعكس التوازن الحذر الذي تسعى إليه الدول الأفريقية بين الالتزام بالمعايير الإنسانية والحفاظ على العلاقات السياسية والاقتصادية مع الولايات المتحدة، التي تشهد فترة رئاسة ترامب الثانية تصعيدًا في سياسات الهجرة، والتعريفات الجمركية، وفق موقع "ذا أفريقيا ريبورت".
أكد ماهاما أن قبول المرحلين يتوافق مع بروتوكول المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) بشأن حرية التنقل، والذي يسمح للمواطنين بالبقاء لمدة تصل إلى 90 يومًا في دولة عضو أخرى.
ومع ذلك، تحذّر جماعات حقوق الإنسان من أن عمليات الترحيل من طرف ثالث قد تشكل انتهاكًا للاتفاقيات الدولية إذا تم إعادة الأفراد إلى دول يواجهون فيها الاضطهاد أو الإساءة.
يعكس اختيار غانا الاقتصار على مواطني غرب أفريقيا إستراتيجية لتجنب المخاطر القانونية والسياسية، حيث لا يحتاج هؤلاء المواطنون إلى تأشيرة لدخول البلاد، وهو ما قد يمنح أكرا مساحة أكبر للتحرك دون إثارة موجة انتقادات واسعة.
ولكنها في الوقت نفسه تمنح الشرعية ضمنيًا للحملة الأمريكية الأوسع نطاقًا، مما يثير قلق شركاء واشنطن الإقليميين والدوليين.
لم تقتصر تصريحات ماهاما على الهجرة، بل تناولت أيضًا التأثيرات الاقتصادية لتوجهات ترامب، خاصة انهيار قانون النمو والفرص في أفريقيا (أغوا)، الذي كان يوفر امتيازات تصديرية للدول الأفريقية.
فقد فرضت الولايات المتحدة تعريفة جمركية 15% على صادرات غانا، بدلًا من صفر، ما دفع البلاد للبحث عن أسواق بديلة، لا سيما في الصين، التي أصبحت نقطة جذب رئيسة وسط الحرب التجارية بين بكين وواشنطن.
كما تناول الرئيس الغاني مسألة الديون وضرورة تنويع الأسواق، مؤكدًا أن بلاده ليست في عجلة للعودة إلى أسواق رأس المال الدولية، وأن البحث عن فرص في السوق الصينية يمثل خيارًا إستراتيجيًا لضمان النمو وسط ضغوط اقتصادية دولية.
على الصعيد الداخلي، شكل المؤتمر الصحفي فرصة لطرح قضية الفساد، حيث أعلن ماهاما أن أكثر من 200 حالة تخضع للتحقيق، مع استجواب نحو 80 مسؤولًا سابقًا وبدء العديد من الملاحقات القضائية، مؤكدًا التزام حكومته بالعدالة والمساءلة: "إصرارنا على اتباع النهج الصحيح قد يُخفف عن الذين نهبوا هذا البلد بعض المعاناة مؤقتًا، لكنه لن يمنحهم نجاة دائمة".
خلال فترة ولاية دونالد ترامب الثانية، ركزت الإدارة الأمريكية على سياسة هجرة صارمة، تضمنت ترحيل المهاجرين غير الشرعيين إلى دول ثالثة، بما في ذلك العديد من الدول الأفريقية.
وتهدف هذه السياسة، المعروفة جزئيًا باسم "برنامج المرحلين من طرف ثالث"، إلى إعادة توطين المهاجرين الذين تم رفض طلباتهم في الولايات المتحدة، بدلاً من إعادتهم مباشرة إلى بلدانهم الأصلية، وهو ما أثار انتقادات من منظمات حقوق الإنسان الدولية بسبب مخاطر التعرض للاضطهاد في بعض الحالات.
في هذا الإطار، وافقت مجموعة من الدول الأفريقية على استقبال المرحلين ضمن اتفاقيات تعاون مع واشنطن، بهدف الحفاظ على العلاقات السياسية والاقتصادية مع الولايات المتحدة، مع مراعاة بروتوكولات حرية التنقل الإقليمية.
ومن أبرز هذه الدول غانا ورواندا، حيث استقبلت رواندا أول دفعة من سبعة مرحلين في أغسطس/آب 2024، بينما بدأت غانا، مؤخراً، في استقبال دفعات تشمل مواطني غرب أفريقيا، مثل النيجيريين، ضمن ترتيبات تتماشى مع بروتوكول المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس).
تسعى هذه الدول، بما في ذلك أكرا وكينشاسا وأبيدجان، إلى تحقيق توازن دقيق بين الامتثال للضغوط الأمريكية وتجنب الانتهاكات المحتملة للاتفاقيات الدولية، خاصة فيما يتعلق بحقوق المهاجرين وحمايتهم من الترحيل القسري إلى بلدان قد يواجهون فيها المخاطر.
وتعد هذه الخطوة جزءًا من ديناميكية أكبر تبرز التحديات التي تواجهها الحكومات الأفريقية في إدارة سياسات الهجرة وسط ضغوط من القوى الغربية، مع السعي للحفاظ على مصالحها الاقتصادية والسياسية الإقليمية.