"بوليتيكو" عن مسؤولين دفاعيين: مسؤولو البنتاغون غاضبون من تغيير اسم وزارة الدفاع إلى وزارة الحرب
يا لها من نهاية أسبوع كانت فيها الأزمة متغيرة ومتسارعة على مدار الساعة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وسلطات ولاية كاليفورنيا، وعدد من مدن لوس أنجلوس.
لم يكن، يوماً، الود قائماً بين هذه الولاية والرئيس ترامب، الذي لم يفز في أي سباق انتخابي فيها خلال المرات الثلاث التي ترشح فيها للرئاسة، وحتى في الانتخابات الأخيرة التي حقق فيها نتائج قياسية في ولايات أخرى، لم تكن هذه الولاية من نصيبه، وكذلك الأمر بالنسبة للمرشحين الجمهوريين لمجلسي النواب والشيوخ.
منذ زمن ليس بقصير، تعرف الولاية بخيارها الديمقراطي المتجدد في كل مناسبة انتخابية محلية أو فيدرالية، وهو الأمر الذي جعلها لا تحظى بالترحيب في حسابات الرئيس ترامب.
الأمر ازداد تعقيداً عند مطلع ولاية هذا الرئيس عندما جاءت موجة الحرائق الواسعة في الولاية والتي أتت على مدن كاملة في لوس أنجلوس، وأثارت حينها موجة خلافات سياسية بين الحاكم الديمقراطي غيفن نيوسوم وعمدة المدينة الديمقراطية هي الأخرى كارن باس مع ترامب، سواء فيما يتصل بالأسباب التي أدت إلى موجة الحرائق الكارثية، أو فيما يرتبط بتمويل الحكومة الفيدرالية لإعادة إعمار البيوت والمدن المتضررة، وهو الخلاف الذي لا يزال قائماً حتى اللحظة بين الحاكم والبيت الأبيض.
مخطئ من يعتقد أن الخلاف بين ترامب والبيت الأبيض في عهد الرئيس ترامب بدأ من لحظة هذه المظاهرات في شوارع لوس أنجلوس، لأن المسألة تعود إلى وقت مبكر من عمر الإدارة الحالية، عندما أطلق ترامب مشروعًا لترحيل مليون مهاجر غير نظامي في العام الأول لإدارته. حينها كانت ولاية كاليفورنيا في طليعة الولايات الديمقراطية التي أعلنت تحفظها حول سياسات ترامب داخل حدود الولاية، بل إن حاكم الولاية أعلن استعداده لمنع تنفيذ أوامر ترامب في حدود ولايته، وهو ما جعل الخلاف بين الرجلين في موضوع الهجرة تحديدًا يملأ واجهات الصحف الأمريكية.
مرة أخرى، يظهر الخلاف بين الرجلين واسعاً جداً عندما قرر ترامب فرض الرسوم الجمركية على الشركاء الاقتصاديين والتجاريين للولايات المتحدة في بقية العالم. حينها أعلن حاكم الولاية استعداده للعمل مع شركاء اقتصاد الولاية بعيدًا عن رسوم ترامب، وفي جزء منها العلاقات مع شركاء اقتصاديين رئيسين للولاية من دول: الاتحاد الأوروبي، واليابان، والصين، في قارة آسيا.
حينها واجه ترامب هذه الحقيقة المزعجة، وهي أن الرئة الاقتصادية للبلاد لا تساند سياساته الاقتصادية، بل أكثر من ذلك، أنها تمد ذراعيها للعمل مع الغرماء الكبار لإدارته.
كان يظهر لترامب أن هناك خطاً فاصلاً في العلاقة مع كاليفورنيا، وقدرة هذه الولاية على معاكسة سياساته على المستويين الوطني والدولي، وعلى الإدارة أن تحسب حسابه جيداً.
الواقع الاقتصادي في هذه الولاية يفوق القدرات الاقتصادية لدول بكاملها، وهي ليست بالدول العادية، بل إنها من بين الدول السبع الصناعية الكبرى في العالم، وهي بذلك تشكل القوة الاقتصادية الرابعة عالميًا بعد كل من الولايات المتحدة، والصين، وروسيا.
وهي كذلك الولاية الثالثة الأكثر مساحة في البلاد بعد ولايتي ألاسكا وتكساس، وهي بتعداد سكاني يقارب الأربعين مليون نسمة، وهي كذلك عاصمة التكنولوجيا في أمريكا وفي العالم، بمجمع وادي السيليكون الذي يضم عمالقة صناعة التكنولوجيا في العالم.
هذه القوة الاقتصادية الهائلة في الولاية تجعل منها كذلك الأكثر مساهمة في عائدات الضرائب السنوية للحكومة الفيدرالية، بما يعادل 80 مليار دولار.
يقول مسؤولو الولاية إن الولاية التي تُعد الأكثر تنوعًا عرقيًا بين جميع الولايات الأمريكية، يشكل المهاجرون غير النظاميين جزءًا غير بسيط من قوتها العاملة في كل الأوقات.
هذه الخلفية هي التي يستمد منها مسؤولو الولاية مقاربة مختلفة في سياسات الهجرة، وكيفية التعامل مع أزمة اليد العاملة المهاجرة في الولاية.
الأزمة بدأت في مدينة لوس أنجلوس عندما لجأ أعوان شرطة الهجرة إلى تخفّي أفرادها في لباس مدني واقتحام أماكن العمل، واعتقال عشرات العمال من غير النظاميين من أصول لاتينية في أماكن وساعات عملهم، وفقدت عائلاتهم الاتصال بهم، وعدم معرفة أماكن وجودهم.
هذا النوع من التهديد المباشر للمهاجرين دفع بالكثيرين منهم إلى الغياب عن العمل، لأنه لا توجد ضمانات كافية من أصحاب العمل لحمايتهم من احتمالات الاعتقال، والترحيل الفوري إلى بلدانهم الأصلية، وبعضهم موجود ويعيش في المدينة لأكثر من عقد من الزمن ولديه عائلة وراءه.
وبدأت الشكوى هنا من الجانبين: من جانب أصحاب العمل الذين تضررت مصالحهم بصورة واضحة وباتت الخدمات في المدينة تعاني عجزاً واضحاً، ومن جانبهم فضل العاملين البقاء في بيوتهم والتخفي هناك أملاً في انفراج قد يحدث قريباً.
عندما لجأ أعوان شرطة الهجرة إلى هذه الموجة من الاعتقالات، اتسعت دائرة الغضب والقلق بين المهاجرين وعائلاتهم والمتعاطفين مع قضيتهم إنسانياً واقتصادياً، وانتهى المشهد إلى ما تابعه الأمريكيون وبقية العالم على شاشات التلفزيونات من شوارع لوس أنجلوس.
ترامب، وفي سابقة تاريخية، جعل من قرار تحريك قوات الحرس الوطني إلى مدينة لوس أنجلوس قراراً فيدرالياً، وفي ذلك مخالفة صريحة للقوانين الفيدرالية التي تجعل من قرارات تحريك الحرس الوطني داخل الولايات قراراً يتخذه حاكم الولاية، أو يتم من خلال موافقته بطلب من الرئيس الجالس في البيت الأبيض.
قرار ترامب لم يكن له مثيل في التاريخ الأمريكي منذ أكثر من نصف قرن، حيث كانت آخر مرة لجأ فيها رئيس أمريكي إلى قرار مماثل تعود إلى ستينيات القرن الماضي خلال أزمة الحقوق المدنية.
منذ ذلك التاريخ، لم يختر أي رئيس أمريكي هذا التوجه في التعامل مع هذا النوع من الأزمات، فيما عدا تلك الحادثة التي شهدها صيف العام 2019، عندما أرسل الرئيس ترامب في ولايته الأولى الأعوان الفيدراليين لحماية المنشآت الفيدرالية خلال احتجاجات مدينة بورتلاند بولاية أوريغون لدعم حركة "حياة السود مهمة" حينها.
ويتعامل حاكم الولاية وعمدة المدينة مع القرار على أنه غير قانوني، ويقولون إنه عقَّد الوضع أكثر، وإنه وسّع من دائرة الغضب بين المتظاهرين وسكان المدينة، فيما يقول ترامب من جانبه إنه بقراره أنقذ المدينة من موجة الفوضى والتخريب التي ينفذها مهاجرون غير نظاميين.
وباشرت الجهات القانونية في الولاية، وعن طريق المدعي العام فيها، إجراءات مقاضاة ترامب أمام المحاكم الفيدرالية والاحتجاج بعدم شرعية قراره، فيما يصر ترامب على أنه اتخذ القرار الصحيح بدلاً عن مسؤولين فاشلين يديرون هذه الولاية.