"بوليتيكو" عن مسؤولين دفاعيين: مسؤولو البنتاغون غاضبون من تغيير اسم وزارة الدفاع إلى وزارة الحرب
لم يكد العرض البحري للبحرية الأمريكية قبالة سواحل كاليفورنيا الشهر الماضي يبدأ حتى تحوّل إلى مشهد غير متوقع.
ووفقًا لوكالة "رويترز"، توقفت إحدى الوحدات ذاتية التشغيل فجأة بسبب عطل برمجي، ليصطدم بها زورق آخر من الخلف، يصعد فوق سطحها قبل أن يعود ويرتطم بالمياه.
اللقطة، التي التقطتها مقاطع فيديو داخلية اطلعت عليها الوكالة، بدت أقرب إلى مشهد ساخر منها إلى عرض يُفترض أن يُظهر تفوق التكنولوجيا الأميركية.
ونقلت "رويترز" عن أربعة مصادر مطلعة أن اختبارا آخر قبل أسابيع شهد انقلاب زورق دعم بعدما تسارع زورق مسيّر فجأة؛ ما أدى إلى قذف قائده في البحر، بينما رفض الناجي الوحيد تلقي رعاية طبية، لكن الموقف كشف هشاشة خطيرة في أنظمة التحكم.
هذه السلسلة من الحوادث، بحسب أكثر من 12 شخصا تحدثوا للوكالة، تعكس تحديات عميقة تواجه برنامج البحرية الأمريكية لتطوير أسطول من الزوارق الذاتية. فبين الأعطال البرمجية وسوء التنسيق البشري، تبدو التجارب أقرب إلى ساحة أخطاء متكررة منها إلى مشروع واعد.
المفارقة أن هذه التجارب تأتي في وقت تروج فيه واشنطن لفكرة أن "أساطيل المستقبل" ستكون بلا بحارة، قادرة على الإبحار والمناورة بشكل مستقل. لكن بدلًا من صورة أنيقة تليق بالقوة العسكرية الأولى في العالم، تقدم الاختبارات صورا مرتبكة.
من جانبه، أوضح الخبير العسكري براين كلارك من معهد هدسون، لـ"رويترز" أن "القوات البحرية تحتاج إلى تطوير تكتيكاتها مع فهم أفضل لقدرات الأنظمة وحدودها"، مُحذرًا من أن الطموح قد يتحول إلى عبء إذا استمرت الحوادث.
وفق "رويترز"، فإن الاهتمام الأمريكي بالمسيّرات البحرية ينبع من دروس حرب أوكرانيا، حيث أظهرت الطائرات والزوارق المسيّرة قدرة على إحداث فارق كبير في موازين القوى.
وتمكنت زوارق صغيرة بلا مقاعد، لا يتجاوز ثمن الواحد منها 250 ألف دولار، من تعطيل جزء من الأسطول الروسي في البحر الأسود.
كما يراهن البنتاغون على نسخ أكثر تطورا تعمل باستقلالية كاملة، من دون أوامر بشرية مباشرة، وإن كانت تكلفتها قد تصل إلى ملايين الدولارات.
وبحسب مسؤولين عسكريين فإن الهدف الأساسي، هو امتلاك أسراب قادرة على مواجهة أي محاولة صينية محتملة لعبور مضيق تايوان.
لم تترك الحوادث الأخيرة أثرها على البحر فقط، بل أحدثت ارتباكا إداريا داخل البنتاغون. فبحسب "رويترز"، أُقيل قائد وحدة شراء الزوارق الذاتية، ووضِع مكتبه تحت مراجعة قد تنتهي بإعادة هيكلته أو إغلاقه.
كما علّقت وحدة الابتكار الدفاعي (DIU) عقدا بقيمة تقارب 20 مليون دولار مع شركة L3Harris، التي توفر بعض البرمجيات المستخدمة في التحكم؛ في حين رفضت الشركة التعليق، لكنها شددت في بيان على أن منتجاتها "تتمتع بمعايير عالية من السلامة والاعتمادية".
في السياق ذاته، عبّر مسؤول بارز في وزارة الدفاع، وخلال اجتماع مغلق الشهر الماضي، عن استيائه من بعض القدرات الجاري شراؤها، متسائلا عن جدواها الفعلية مقابل تكلفتها؛ لكن وزارة الدفاع اكتفت بالقول إن الاختبارات تأتي ضمن "نهج تنافسي وتفاعلي بين الشركات والمشغلين".
تشير التقارير إلى أن البحرية خصصت أكثر من 160 مليون دولار لشركة BlackSea التي تنتج عشرات الزوارق شهريا، بينما بلغت قيمة شركة Saronic نحو 4 مليارات دولار بعد جولة تمويلية كبرى، حيث كان كلاهما يطمح إلى عقود أكبر، لكن حوادث كاليفورنيا الأخيرة ألقت بظلالها على مستقبل البرنامج.
وقال الخبير تي. إكس. هامس، من مجلس الأطلسي، لـ"رويترز" إن "البحرية تتحرك في مياه مجهولة، فهي تحاول إعادة هيكلة عقود من التقاليد بسرعة كبيرة"، مضيفًا أن المؤسسة العسكرية الأمريكية اعتادت على مشاريع ضخمة بطيئة، بينما يُطلب منها الآن تسريع وتيرة غير مألوفة.
مع كل حادث جديد، يتراجع البريق المحيط بفكرة "السفن بلا بحارة". وبدل أن تكون الزوارق المسيّرة عنوانًا للتفوق الأمريكي، تحولت حوادثها إلى مادة دسمة للنقد والتشكيك.
في النهاية، ترى "رويترز" أن البحرية الأمريكية أمام اختبار مزدوج: معالجة الأعطال التقنية والإدارية بسرعة، أو مواجهة خطر فقدان المصداقية في وقت يترقب فيه الخصوم، وفي مقدمتهم الصين، كل ثغرة يمكن استغلالها.