يرى خبراء أن اعتقال دمشق للأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة، طلال ناجي، وهو حليف قديم للنظام السوري، لا يمكن قراءته خارج سياق التحولات السياسية الجارية في سوريا والمنطقة.
وأشاروا إلى أن هذا التطور يحمل رسائل متعددة في اتجاهات متباينة، سواء للفصائل الفلسطينية المرتبطة بإيران، أو للدول الغربية، أو حتى للبيئة الداخلية السورية غير المستقرة.
والهدف وراء هذا الاعتقال (المؤقت، حيث تم إطلاق سراحه لاحقا) يتعلق بإعادة ضبط العلاقة مع الحلفاء التقليديين وتقديم مؤشرات للفاعلين الإقليميين والدوليين بأن دمشق في عهدها الجديد تتجه نحو سياسات أكثر براغماتية وانضباطاً، بما يتواءم مع متطلبات الانفتاح الخارجي والاستقرار الداخلي.
وفي هذا السياق، قال أستاذ العلوم السياسية، أيمن يوسف، إن اعتقال الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة، طلال ناجي، من قبل الإدارة السورية الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع، ينطوي على أكثر من رسالة سياسية موجهة لعدة أطراف محلية وإقليمية ودولية.
وحول الرسالة الأولى أوضح في حديثه لـ "إرم نيوز" أنها تستهدف حلفاء النظام السوري السابق، مثل الجبهة الشعبية – القيادة العامة، والجبهة الشعبية، وفتح الانتفاضة، إلى جانب بعض المجموعات الفلسطينية الصغيرة، خاصة في ظل الأوضاع غير المستقرة داخل سوريا، والإشكالات المرتبطة بالوجود الفلسطيني، خصوصاً داخل المخيمات.
ويخشى النظام الجديد من أن يؤدي التحام بعض المجموعات الفلسطينية مع المعارضة السورية إلى هزّ البنية الداخلية للبلاد، بحسب يوسف.
أما الرسالة الثانية، فهي موجهة إلى الولايات المتحدة وأوروبا، لا سيما أن عدداً من المجموعات الفلسطينية وقياداتها مدرجة على لوائح الإرهاب الغربية.
ويرى يوسف أن هذه الخطوة تعكس رغبة دمشق في إيصال رسالة واضحة للغرب بأنها قادرة على فرض السيطرة وتنفيذ الاعتقالات والضبط حتى داخل بيئتها الحليفة، وأنها لن توفر الحماية لأي شخصيات أو كيانات مصنفة إرهابية أو محسوبة على جهات خارجية.
ويأتي ذلك في سياق المفاوضات الجارية بين إيران والولايات المتحدة، خاصة أن الجبهة الشعبية تُعتبر مقربة من طهران، ما يدل على نوع من التناغم بين دمشق والرؤية الغربية، سواء أمريكية أو أوروبية، من خلال هذا التحرك الأمني.
وتابع قائلاً إنه "من الممكن أن يكون النظام السوري الجديد بصدد التقرب من الراعيينِ الإقليميينِ التركي والقطري، وأنه يسعى إلى إرسال رسائل سياسية متعددة الاتجاهات، في محاولة لتأكيد جديته في أن يكون جزءاً فاعلاً ضمن المنظومة الإقليمية والدولية الحالية".
أما الرسالة الثالثة من هذا الاعتقال فبيّن أنها قد تكون موجهة إلى لبنان وإيران وحزب الله، نظراً لأن الجبهة كانت حليفة لهم في مراحل سابقة، ومن المرجح أن بعض تلك الأطراف، لا سيما حزب الله أو حتى إيران، قد بدأت تُظهر نوعاً من "الاختراقات" السياسية تجاه بعض الشخصيات الفلسطينية، وقد تكون هناك محاولات لإعادة تحريك الحراك الفلسطيني في سوريا ولبنان، ضمن رؤى جديدة.
ولفت إلى أن المشهد اللبناني ما زال يعاني من عدم الاستقرار، خاصة المخيمات الفلسطينية في جنوب لبنان، في ظل تحركات متزايدة من قبل فصائل كحماس والجهاد الإسلامي وبعض المجموعات الفلسطينية الصغيرة، والتي قد تؤدي إلى اضطرابات أمنية في الجنوب اللبناني.
وفي المقابل، رأت الكاتبة والأكاديمية، الدكتورة انتصار الدنان، أن اعتقال طلال ناجي يُعد تطوراً لافتاً في العلاقة بين النظام السوري والفصائل الفلسطينية التي كانت تُعد حليفة له، رغم إعلان السلطات السورية أن الاعتقال كان بهدف التحقيق المؤقت.
وأشارت في حديثها لـ "إرم نيوز" إلى أنه في وقت سابق، بعيد إسقاط النظام، اقتحمت القوات الأمنية السورية مكتب القيادي طلال ناجي في منطقة المزرعة، لكن لم يتم المساس حينها بأحد من أعضاء الجبهة الشعبية – القيادة العامة، باستثناء اعتقال عشرين شخصاً متورطين في نشاط عسكري، وذكرت أن عضو المجلس القيادي في حركة حماس، خالد مشعل، تدخل وقتها لمنع تعرض ناجي لأي إجراء أمني مباشر.
وأضافت أن لهذا الاعتقال دلالات متعددة، أولها ضبط العلاقة بين النظام السوري والفصائل الفلسطينية، خصوصًا تلك المرتبطة بإيران، وذلك في ظل التحولات الإقليمية والدولية.
أما ثاني هذه الدلالات، فهو توجيه رسالة واضحة إلى تلك الفصائل بضرورة الالتزام بسياسات الدولة السورية، وتجنب اتخاذ مواقف قد تُحرج دمشق أو تتعارض مع مصالحها، لاسيما بعد إلغاء بعض القيود التي كانت مفروضة خلال عهد النظام السابق بقيادة بشار الأسد.
أما الدلالة الثالثة، بحسب رأيها، فتتمثل في استجابة النظام السوري للضغوط الدولية، ما يعكس استعداد دمشق للتعاون في ملفات سياسية حساسة، وخصوصًا تلك المتعلقة بالأمن الإقليمي.