بين ضغط البيت الأبيض وتحديات الميدان، يبدو أن مسار السلام في أوكرانيا يواجه مفترق طرق حاسم، خاصةً أن الإدارة الأمريكية تسعى لإبرام اتفاق قبل نهاية ديسمبر/كانون الأول الجاري، وفي الوقت نفسه تصر كييف على عدم التنازل عن أراضيها، ولا تزال موسكو تفرض يدها العليا من الناحية العسكرية داخل الأراضي الاوكرانية، وهو ما يفتح الباب أمام سلسلة من المساومات والتعديلات في خطة ترامب.
وقبل ساعات، شدد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على أن بلاده لن تتنازل عن أي أراض لروسيا، مؤكدًا أن المشاورات الدبلوماسية ستتناول المخاوف الفورية والتمويل طويل الأجل بعد دمار الحرب، دون التوصل إلى رؤية موحدة بشأن دونباس.
ومن جانبها، حاولت واشنطن تسريع المفاوضات، فقد منح مبعوثو ترامب زيلينسكي مهلة أيام قليلة للرد على الخطة، خاصة أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نفسه وصف الوضع بأنه مخيب للآمال قليلًا لأن المقترح لم يُقرأ بعد في أوكرانيا.
النقاط الخلافية الرئيسة ما تزال تتعلق بمستقبل دونباس ومحطة زابوريجيا النووية، في حين تستمر الضمانات الأمنية الأمريكية في إثارة الجدل، وهو ما يجعل احتمالات التوصل إلى سلام سريع أقل من احتمال مفاوضات مطولة، مع تزايد المساومات المحتملة وسط ضغط القوى الكبرى.
ويرى الخبراء أن مسار الأزمة الأوكرانية يشير إلى احتمال الوصول إلى سلام محتمل بين روسيا وأوكرانيا أكثر من الدخول في مفاوضات مطولة، مع إبقاء الضغوط الأمريكية وتراجع القدرة الأوروبية على الدعم.
وقال الخبراء، إن الموقف الروسي قوي على الأرض، وهو ما يفتح الباب أمام مساومات جديدة وتعديلات محتملة في خطة ترامب لضمان نتائج تفاوضية أقل خسارة لأوكرانيا.
وأكد المحلل السياسي والخبير في الشؤون الأمريكية، د. توفيق حميد، أن المؤشرات الحالية ترجح التوصل إلى سلام محتمل بين روسيا وأوكرانيا أكثر من الدخول في مفاوضات مطولة، موضحًا أن عدة عوامل تدعم هذا الاتجاه.
وأشار حميد لـ"إرم نيوز" إلى أن ترامب يتحدث في هذه المرحلة بثقة لافتة، وكأن الملف يقترب من نهايته، لافتًا إلى أن الخطوات التي جرت أخيراً ليست الأولى، بل تأتي ضمن مسار متتابع يشي بأن الأطراف باتت قريبة من نقطة الحسم.
وكشف حميد أن الرسائل الروسية الموجّهة إلى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أصبحت واضحة، إذ تؤكد موسكو أن رفض الحل الذي يتضمن تنازلات جزئية سيؤدي بحسب الرؤية الروسية إلى خسارة أوكرانيا لمساحات أكبر وربما الدولة بأكملها.
وأكد الخبير في الشؤون الأمريكية أن الخيارات أمام زيلينسكي تبدو جميعها صعبة، إلا أن أحدها أقل ضررًا من الآخر.
ولفت المحلل السياسي إلى أن زيلينسكي بدأ يدرك أن الدعم الأوروبي لن يكون كافيًا على المدى الطويل، وأن الولايات المتحدة ليست مستعدة للدخول في صراع موسع من أجله، ما يدفعه إلى البحث عن حل يجنب بلاده الانهيار ويجنّبه هو شخصيًا خسارة موقعه وكل ما بناه.
وأوضح أن الموقف الأوروبي يعكس حالة من الضعف، مستشهدًا بزيارة الرئيس الفرنسي إلى الصين وحديثه شبه المتوسل لزيادة الاستثمارات الصينية في أوروبا وفتح باب المعادن النادرة، وهو ما يُظهر عجزًا أوروبيًا عن دعم أوكرانيا باستمرار.
وأكد أن تزايد الضغوط الأمريكية، وتراجع القدرة الأوروبية على الدعم، إضافة إلى الإصرار الروسي على تحقيق أهدافه، كلها عوامل ستدفع أوكرانيا على الأرجح إلى إعلان اتفاق نهائي مع موسكو خلال فترة قد لا تتجاوز بضعة أسابيع، متمنيًا ألا يطول الأمر إلى شهور.
من جانبه، أكد خبير العلاقات الدولية، د. محمد عثمان، أن المحادثات بين الولايات المتحدة وأوكرانيا لم تسفر حتى الآن عن أي خرق يُذكر، لا سيما في ظل تمسّك كييف برفضها التنازل عن أراضي الدونباس التي لا تزال تحت سيطرتها، فضلاً عن رغبتها في إبرام اتفاق ضمانات أمنية منفصل مع الولايات المتحدة الأمريكية، وهو الأمر الذي لا تبدي واشنطن حياله أي قدر من الحماسة.
وقال عثمان في تصريحات لـ"إرم نيوز" إن الدول الأوروبية تعمل على دعم ثبات الموقف الأوكراني، وإن استبعاد القارة العجوز من مجريات عملية التفاوض والتسوية يُشكّل خطرًا على مصالحها الأمنية والاستراتيجية، وإن أوروبا تراهن ربما على إمكانية أن تتيح واشنطن لها مجالًا أوسع للتأثير في مسار المفاوضات بما يضمن دفعه قدمًا على نحو أكثر اتزانًا.
وأستطرد قائلا: "هذه الرهانات الأوروبية تغفل الموقف الروسي، الذي يستند إلى واقع ميداني قوي يعزز من قدرته على إملاء شروطه بأريحية في أي عملية تفاوض".
وأشار إلى أن أي أطروحات لا تتضمن حياد أوكرانيا، وتقليص قوتها العسكرية، واحتفاظ موسكو بما احتلته من أراض، ستواجه رفضًا روسيًا قاطعًا.
وكشف أن موسكو ترى أن إطالة أمد الحرب في هذه المرحلة سيكون في مصلحتها، فكلما مر الوقت حققت مكاسب ميدانية إضافية تعزز موقفها التفاوضي، ما يتيح لها فرض شروط أكثر صعوبة كلما طال أمد الصراع.