يستضيف الرئيس دونالد ترامب نظيره فلاديمير بوتين، الجمعة، في ألاسكا، في قمة يحفل مكان انعقادها برمزيات تاريخية، لكنها قد تشكل منعطفا نحو مرحلة جديدة في العلاقة بين الولايات المتحدة وروسيا، بحسب "فرانس برس".
وتُعقد القمة، وهي الأولى بين الرئيسين منذ عودة ترامب الى البيت الأبيض مطلع العام، في ولاية ألاسكا التي كانت أرضا روسية إلى أن بيعت للولايات المتحدة في القرن التاسع عشر.
وتجري أعمال القمة خلف أسوار قاعدة عسكرية أمريكية ساهمت في مراقبة الاتحاد السوفياتي خلال الحرب الباردة.
وسيلتقي الزعيمان في قاعدة إلمندورف ريتشاردسون الجوية، التي تحمل شعار "الغطاء الجوي لأمريكا الشمالية".
وفي حين قال ترامب إن بوتين هو من اقترح عقد القمة، لم يتضح ما إذا كان الرئيس الجمهوري أخذ في الاعتبار رمزية القاعدة العسكرية، أو حتى ألاسكا التي لا يزال تاريخها الروسي يثير حنينا لدى بعض القوميين الروس.
واعتبر جورج بيب، المدير السابق لتحليل روسيا لدى وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه)، أن اختيار ألاسكا مكانا لهذا اللقاء، يظهر التركيز على ما يوحّد القوتين، أي التاريخ والمحيط الهادئ، بدلا من التنافس أو الحرب في أوكرانيا.
وأوضح "ما يقوم به هو القول إن هذه ليست الحرب الباردة. نحن لا نعيد إنتاج سلسلة قمم الحرب الباردة التي عُقدت في دول محايدة".
وأضاف بيب، وهو باحث لدى معهد كوينسي للحكم الرشيد، "ندخل حقبة جديدة، ليس فقط في العلاقات الثنائية بين روسيا والولايات المتحدة، بل أيضا في الدور الذي تؤديه هذه العلاقة في العالم".
وكانت ألاسكا أرضا روسية منذ القرن الثامن عشر ولكن في ظل الصعوبات لتحقيق أرباح من تلك الأرض النائية وتضرر روسيا جراء حرب القرم، باعها القيصر ألكسندر الثاني للولايات المتحدة عام 1867.
وواجه وزير الخارجية الأمريكي آنذاك وليام سيوارد انتقادات بسبب عملية الشراء التي أطلق عليها "حماقة سيوارد"؛ نظرا لاعتقاد كثيرين حينها أن ألاسكا عديمة القيمة، لكن المنطقة أثبتت لاحقا أهميتها الاستراتيجية.
وسارعت الولايات المتحدة إلى بناء القاعدة الجوية بعدما استولت اليابان على بعض جزر ألوشيان (الجزر الأليوطية) عقب هجومها المفاجئ على بيرل هاربور عام 1941.
وخلال الحرب الباردة، أصبحت إلمندورف مركزا رئيسيا لمراقبة التحركات السوفياتية عبر مضيق بيرينغ.
وقبل تسعة أشهر، انطلقت طائرة مراقبة إلكترونية من قاعدة إلمندورف مع طائرات أمريركية أخرى، لتتبع طائرات روسية كانت تحلق قبالة سواحل ألاسكا.
ومع أكثر من 800 مبنى وآلاف الجنود، تعتبر إلمندورف أكبر منشأة عسكرية في ألاسكا، وتستخدم كذلك كمحطة للتزود بالوقود أثناء رحلات الرئيس الأميركي أو وزير خارجيته إلى آسيا.
وستكون هذه الزيارة الأولى لبوتين، المطلوب بمذكرة توقيف من المحكمة الجنائية الدولية، إلى بلد غربي منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022.
وقبيل وصول بوتين، قام بعض السكان برسم أعلام أوكرانية لوضعها على أسطح منازلهم، آملين أن يراها الرئيس الروسي أثناء هبوط طائرته، وإن كان احتمال حصول ذلك ضئيلا.
وقالت المعلمة ليندسي ماين البالغة 40 عاما بينما كانت تستخدم رذاذ الطلاء لرشّ العلم الأصفر والأزرق: "بوتين مجرم، وهو آتٍ إلى قاعدة عسكرية هنا. في وقت سابق كان ذلك أمرا لا يُصدق".
وأضافت أن القمة جزء من استراتيجية ترامب "للإغراق بالتصرفات الغريبة" وصرف الانتباه عن قضايا أخرى. وتابعت: "إنه أمر مُرعب بعض الشيء. كنت أفكر، هل سيُعيد ترامب ولايتنا إلى روسيا؟ لا أعتقد أن ذلك سيحدث، لكن هذا أول ما خطر ببالي".
ولا يزال التراث الروسي في ألاسكا ظاهرا بأشكال مختلفة، منها كاتدرائية أرثوذكسية ذات قبب زرقاء في أنكوريج تعود إلى ستينيات القرن الماضي.
لكن أوكرانيين اتخذوا من ألاسكا موطنا لهم أيضا قبل الحرب الأخيرة وبعدها.
وقالت زوري أوباناسيفيتش التي ساعدت في توطين 1300 أوكراني في ألاسكا مع منظمة "نيو تشانس" غير الربحية، إن الأشخاص الذين تحدثت إليهم يحدوهم بعض الأمل جراء هذه القمة.
وأضافت "إذا كانت هناك أي طريقة يُمكن للرئيس ترامب من خلالها التأثير على بوتين لوقف القتل، فسنؤمن بذلك. علينا أن نؤمن بذلك".
يجري الرئيسان الأمريكي والروسي محادثات وسط آمال أمريكية تحفها الشكوك بشأن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في أوكرانيا لكنها مصحوبة بعرض قدمه بوتين في اللحظة الأخيرة بشأن اتفاق نووي محتمل يمكن أن يساعد الرجلين على إنقاذ ماء الوجه، بحسب "رويترز".
وسيكون الاجتماع أول محادثات مباشرة بينهما منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض. ويأتي وسط مخاوف أوكرانية وأوروبية من أن ترامب قد يتخلى عن كييف.
وذكر ترامب، الذي كان يقول إنه سينهي الحرب الروسية في أوكرانيا خلال 24 ساعة، أمس الخميس، أنه اتضح أن الصراع المستمر منذ ثلاث سنوات ونصف أصعب مما كان يعتقد.
وقال ترامب إنه إذا سارت محادثاته مع بوتين على ما يرام، فإن عقد قمة ثلاثية لاحقة مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي سيكون أكثر أهمية من لقائه مع بوتين.
ويضغط ترامب للتوصل إلى هدنة لتعزيز صورته كصانع سلام عالمي يستحق جائزة نوبل للسلام، وهو أمر أبدى صراحة أنه مهم بالنسبة له.
وعبرت أوكرانيا وحلفاؤها الأوروبيون عن ارتياحهم لاتصال هاتفي أجروه يوم الأربعاء، وذكروا فيه أن ترامب وافق على ضرورة إشراك أوكرانيا في أي محادثات بشأن التنازل عن أراض.
وقال زيلينسكي إن ترامب أيد أيضا فكرة الضمانات الأمنية في تسوية ما بعد الحرب، على الرغم من أن الرئيس الأمريكي لم يشر إليها علنا.
وقد هدّأ الاتصال الذي جرى يوم الأربعاء، من مخاوفهم من اتفاق بين ترامب وبوتين من شأنه أن يترك أوكرانيا تحت ضغوط لتقديم تنازلات تتعلق بالأراضي وغير ذلك.
ويحتاج بوتين إلى ترامب لمساعدة روسيا على الإفلات من قيود العقوبات الغربية المشددة، أو على الأقل عدم فرض المزيد من العقوبات على موسكو، وهو ما هدد به ترامب.
وفي اليوم السابق للقمة، أشار زعيم الكرملين إلى احتمال حدوث شيء آخر يعرف أن ترامب يرغب فيه: اتفاقية جديدة لوضع قيود على الأسلحة النووية لتحل محل الاتفاقية الوحيدة المتبقية، والتي من المقرر أن ينتهي أجلها في فبراير شباط من العام المقبل.