يرى محللون سياسيون أن إنشاء لجنة التعويضات الدولية لأوكرانيا يمثل خطوة تاريخية نحو مساءلة روسيا عن أضرار الحرب المستمرة منذ 2014، في وقت يشكل فيه انسحاب واشنطن من المشهد تحديًا للأوروبيين في تمويل الصراع، ويثير تساؤلات حول استخدام الأصول الروسية المجمدة لدعم أوكرانيا.
وفي تصريح على لسان نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، ديمتري ميدفيديف، سارعت روسيا إلى اعتبار الخطوة الأخيرة لتعويض أوكرانيا بمثابة إنذار، مشيرًا إلى أن الصراع بين موسكو والغرب امتد إلى ساحات القانون والمال.
وتسعى أوروبا وأوكرانيا إلى تأسيس آلية عملية لمحاسبة روسيا عبر سجل أضرار ولجنة مطالبات وصندوق تعويضات، إذ بدأ سجل الأضرار، في مايو/ أيار 2022، بتوثيق الخسائر البشرية والمادية، وتلقّى حتى الآن أكثر من 54 ألف طلب، شملت: الممتلكات المدمرة، والوفيات، والنزوح القسري، والعنف الجنسي.
ويُتوقع أن يموّل الصندوق من الأصول الروسية المجمدة في أوروبا، وهو ما تعتبره موسكو "سرقة مقننة"، في حين ترى كييف والاتحاد الأوروبي أن التعويض ليس فقط مسألة مالية، بل رسالة سياسية لتعزيز المساءلة الدولية، ومنع الإفلات من العقاب.
وأكد إيفان يواس، مستشار مركز السياسات الخارجية الأوكراني، أن نشر مجلس أوروبا لنص مشروع الاتفاقية الخاصة بإنشاء لجنة تعويضات دولية لأوكرانيا يمثل خطوة محورية في طريق تحقيق العدالة للضحايا الأوكرانيين، موضحًا أن بلاده كانت حازمة خلال مفاوضات استمرت أكثر من عام ونصف لضمان أن تتحمل روسيا كامل المسؤولية عن الأضرار التي لحقت بأوكرانيا منذ بداية العدوان في العام 2014.
وفي حديث لـ"إرم نيوز"، قال يواس إن الاتفاق الذي أنجز أخيراً في لاهاي بعد 8 جولات من التفاوض، ينص على أن تلعب أوكرانيا دوراً قيادياً في الهيئات الإدارية للجنة، وهو ما يُعد إنجازاً دبلوماسياً يعكس ثقة المجتمع الدولي في موقف أوكرانيا وحقها في قيادة هذا المسار.
وأضاف أن لجنة التعويضات ستشكل العنصر الثاني في آلية التعويض الدولية بعد إطلاق "سجل الأضرار"، وستكون معنية بالنظر في طلبات الضحايا، ومنح التعويضات لهم، معتبرًا أن التوقيع الرسمي المرتقب، في 16 ديسمبر/ كانون الأول 2025، في لاهاي سيكون "لحظة تاريخية حقيقية في مسار استعادة العدالة الدولية".
وأشار مستشار مركز السياسات الخارجية الأوكراني إلى أن سجل الأضرار لأوكرانيا فتح، في 17 سبتمبر/ أيلول الجاري، الباب لفئتي طلبات A2.8 وA2.9، والمتعلقتين بالنقل القسري أو الترحيل غير القانوني للأطفال والبالغين، وهو ما يتماشى مع جهود برنامج "أعيدوا الأطفال" الهادف لإعادة الأطفال الأوكرانيين الذين تم ترحيلهم قسرًا.
واعتبر أن ترحيل الأطفال الأوكرانيين يُعد من "أكثر الجرائم وحشية" التي ارتكبتها روسيا، ويأتي ضمن حملة ممنهجة تهدف إلى محو الهوية الوطنية الأوكرانية، مؤكدًا أن فتح باب التقديم للتعويضات يمنح الضحايا فرصة لمساءلة المعتدين، والمطالبة بحقوقهم وفق القانون الدولي.
ومن جانبه، قال د. محمود الأفندي، المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية، إن انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية جزئيًا من المشهد الأوكراني خلق أزمة عميقة داخل الساحة الأوروبية، خاصة أن واشنطن كانت تتحمل ما بين 70 إلى 80% من حجم المساعدات الاقتصادية والعسكرية المقدمة لأوكرانيا.
وأضاف الأفندي، لـ"إرم نيوز"، أن انسحاب الولايات المتحدة ترك عبئًا ثقيلًا على كاهل الدول الأوروبية التي أصبحت مطالبة بتمويل الأسلحة والمساعدات الأخرى، ما يشكل ضغطًا كبيرًا على اقتصاداتها، موضحًا: "يبدو أن أمريكا تسعى إلى إغراق أوروبا في مزيد من الديون والأزمات الاقتصادية".
وأشار إلى أن ما يُعرف بـ"مجلس أوروبا" قرر إنشاء صندوق لدعم أوكرانيا، لكن هذا التمويل لن يأتي من ميزانية الاتحاد الأوروبي مباشرة، بل من ميزانيات الدول الأعضاء، وهو ما يعمّق من حدة الانقسام والتوتر المالي داخل التكتل الأوروبي.
وأعرب عن تشكيكه في فاعلية هذا الصندوق، مؤكدًا أن "أوكرانيا بعد 4 سنوات من الحرب أصبحت تعتمد كليًا على التبرعات، وحتى رواتب الموظفين تموَّل من المساعدات الغربية".
وأشار الخبير في الشؤون الروسية إلى أن الرئيس الأوكراني صرح أخيراً بأن بلاده بحاجة إلى تمويل سنوي بقيمة 120 مليار دولار لمواصلة الحرب ضد روسيا، متوقعًا أن تكون بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، من أكبر المساهمين في هذا الصندوق.
وفيما يخص المقترح باستخدام فوائد الأموال الروسية المجمدة في أوروبا لدعم أوكرانيا، أوضح الأفندي أن تلك العوائد لا تتجاوز 5 مليارات دولار سنويًا، بعكس ما يُروَّج له في بعض الأوساط الغربية التي تزعم أنها تصل إلى 60 مليار دولار، في حين أن إجمالي الأصول الروسية المجمدة يبلغ نحو 260 مليار دولار.
وأضاف المحلل السياسي أن استخدام هذه الأموال يعد خرقًا للقانون الدولي، وسرقة صريحة، وقد يؤدي إلى أزمة قانونية واسعة النطاق، وإذا مضت أوروبا في هذا المسار، فإن كثيراً من الدول قد تسحب أموالها من البنوك الأوروبية، ما سيفقد النظام المالي الأوروبي والدولي الثقة والمصداقية.
وقال إن روسيا نفسها تمتلك أصولاً أجنبية أوروبية بقيمة تُقدر بـ 400 مليار دولار، مما قد يدفعها لاتخاذ إجراءات مماثلة ضد الغرب إذا استُخدمت الأموال الروسية في دعم الحرب الأوكرانية.