أشعل قرار حزب "النهضة" الحاكم في فرنسا الذي تزعمه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، جدلا واسعا وانقسامات، وذلك بعد الاستغناء عن الوزيرة رشيدة داتي في سباق بلدية باريس لعام 2026.
وتعتبر وسائل إعلام فرنسية أن هذه الخطوة تحمل في طياتها تداعيات أكبر بكثير من مجرد اختيار اسم بديل لقيادة المعركة الانتخابية في العاصمة.
ووسط انقسامات حادة وتبادل للاتهامات، يجد الحزب الرئاسي نفسه أمام اختبار صعب قد يهدد تماسكه الداخلي ويعيد رسم خريطة التحالفات داخل العاصمة، بحسب إذاعة "إر.إف.إي" الفرنسية.
وأعلن حزب "النهضة" مساء الثلاثاء دعمه الرسمي لبيار–إيف بورنازل في انتخابات بلدية باريس، متخليًا بذلك عن مرشحته البارزة رشيدة داتي، في خطوة مفاجئة وصفها مراقبون بأنها قد تفتح الباب أمام انقسام واسع داخل صفوف الحزب.
وجاء القرار في ختام اجتماع للجنة السياسية واللجنة الوطنية للترشيحات داخل الحزب الذي يقوده حاليًا غابرييل أتال، فقد اختار الحزب الرئاسي الرهان على حصان آخر في سباق 2026 نحو بلدية العاصمة، وفقاً للإذاعة الفرنسية.
البديل هو بيار–إيف بورنازل، مرشح حزب "آفاق" الذي يرأسه رئيس الوزراء الأسبق إدوار فيليب، وأوضح الحزب أن لجنة الترشيحات «صادقت بالإجماع باستثناء صوتين فقط، هما أوروغ بيرجي وماري غيفينو على دعم بورنازل.
وخلال الاجتماع، دافعت قيادة "النهضة" عن خيارها باعتبار بورنازل "مرشحًا جامعًا" وأكثر وضوحًا "في ما يتعلق بالحكم والمشروع وتقسيم المهام» داخل القوائم الانتخابية، "على عكس داتي التي بقيت صامتة تجاه مطالبنا" وفق أحد المشاركين.
وأضاف قيادي آخر: «شروط التوافق لم تكن متوافرة مع رشيدة داتي".
لكن قرار التخلي عن وزيرة الثقافة لم يمر دون اعتراض، فقد أعرب عدد من الداعمين للرئيس ماكرون عن رفضهم القاطع، معتبرين أن دعم مرشح لحزب يطالب بإقالة ماكرون، كما فعل إدوار فيليب سابقًا، أمر غير مقبول.
وقال أحد النواب المؤيدين لداتي بانفعال: "لا يمكن أن نمنح الترشيح لمرشح حزب يطالب برحيل رئيس الجمهورية".
ورغم أن القرار يبدو إهانة سياسية لداتي ولماكرون الذي يدعمها، أكد قادة "النهضة" أن بورنازل تعهد بعدم تكرار تصريحاته السابقة، وقدم ضمانات واضحة بشأن البرنامج الانتخابي وتقاسم المناصب، حيث سيحصل الحزب على 10 من أصل 17 رأس قائمة.
ووفقاً لصحيفة "لوباريزيان" الفرنسية، فإن قرار دعم بورنازل يضع "النهضة" أمام خطر مواجهة شرخ داخلي حقيقي. فسيلفان مايويار، رئيس اتحاد الحزب في باريس، إضافة إلى وزير أوروبا بنجامان حدّاد، أعلنا رفضهما الانصياع لقرار القيادة المركزية وتمسكهما بدعم رشيدة داتي.
وأعلن مايويار تنحيه "مؤقتًا" عن منصبه على رأس الحزب في العاصمة، ومؤكدًا في حديث لصحيفة "لوباريزيان" أنه سيواصل "اللعب دورًا محوريًا" و"سيكون في قلب حملة" داتي الانتخابية.
وبهذا القرار، يغامر حزب "النهضة" بتفجير جبهة داخلية معقدة قبل أشهر فقط من انتخابات بلدية قد تحدد مستقبل نفوذه في العاصمة. وبين حسابات التحالفات وضغوط القواعد وأطماع الزعامة، يبدو أن سباق باريس لن يكون معركة انتخابية فقط، بل معركة داخل البيت السياسي للرئيس ماكرون نفسه.