رصد خبراء في الشؤون الدولية أن البرازيل، في ظل التحدي مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ترتكز على رهانات داخلية ودولية في هذه المواجهة، موضحين أن نجاحها في هذا التحدي سيسهم في رفع مكانتها الدولية والحفاظ على استقرارها الداخلي، وفي حال فشلها قد تجد نفسها أمام عزلة نسبية وابتزاز اقتصادي.
وأكدوا في تصريحات لـ"إرم نيوز" أن الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، في مواجهته مع ترامب، يراهن على مزيج من الشرعية الداخلية والدعم الجنوبي-الجنوبي الدولي لتعزيز استقلال قرار بلاده السياسي والقضائي.
وبيّنوا أن من ضمن الرهانات البرازيلية أيضًا الاستناد إلى شراكات اقتصادية مع قوى كالصين وروسيا وجنوب أفريقيا، ووجودها في منظومة "بريكس" في ظل خطط ترامب الرامية إلى تحجيم الدور الريادي والقيادي للبرازيل في هذه المنظومة، وما يُعرف بدول الجنوب التي تحاول خلق أسواق مستقلة عن الهيمنة الأمريكية، في وقت يفرض فيه ترامب رسومه الجمركية.
ويقول الخبير في شؤون أمريكا اللاتينية بلال رامز بكري إن ترامب يتحدى البرازيل بالتعدي على سيادتها وتدخله السافر في شؤون قضائية وسياسية وطنية بحتة، وجعل الملفات السياسية البرازيلية عرضة للابتزاز ولعبة للمصالح الدولية، وفق تعبيره.
وأضاف بكري لـ"إرم نيوز" أن البرازيل لا تتحدى ترامب، بل تدافع عن نفسها وعن احترامها لشعبها، مشيرا إلى أن ترامب فرض رسوما "تركيعية" بلغت 50% على المنتجات البرازيلية الموجهة للأسواق الأمريكية".
وفي بيان صدر منذ عدة أسابيع، قال ترامب إنه يفعل ذلك من أجل حليفه الرئيس السابق اليميني المتطرف جايير بولسونارو، وهذا في ظاهر الأمر.
أما باطن الأمر، بحسب بكري، فإن ترامب وحكومته يحاولون تحجيم الدور الريادي للبرازيل في "بريكس" ودول الجنوب، التي تسعى لخلق عملة خاصة بها للتعاملات التجارية وتبادل السلع بعيدًا عن الهيمنة الأمريكية، في وقت يفرض فيه ترامب رسومه الجمركية.
وتابع بكري أن ملف "بولسونارو" قضية داخلية بحتة لا ينبغي لأحد، بما في ذلك ترامب، التدخل فيها.
واعتبر بكري أن ترامب يحاول استخدام حليفه بولسونارو للعب على التناقضات الداخلية في البرازيل بهدف ضرب تكتل "بريكس" وتقويض الدور البرازيلي فيه، وفق تقديره.
من جانبه، يرى أستاذ التواصل السياسي في جامعة كاديس الإسبانية والخبير في الشؤون الدولية، الدكتور محمد المودن، أن في قلب المواجهة الدبلوماسية الأخيرة بين البرازيل والولايات المتحدة تتقاطع قضيتان: إجراءات القضاء البرازيلي ضد بولسونارو، والضغط العلني من البعثة الأمريكية، بما في ذلك المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي التي تستهدف القاضي المكلف بالقضية.
وأضاف المودن لـ"إرم نيوز" أن وضع بولسونارو تحت الإقامة الجبرية أثار ردود فعل سياسية واجتماعية، وكشف عن ملامح صراع أكبر بين البرازيل ودوائر النفوذ الأمريكية.
وأكد أن البرازيل، بتحديها الإدارة الأمريكية، تراهن على مبدأ سيادة القرار القضائي وشرعية مؤسساتها أمام جمهور داخلي منقسم، وعلى عمل الحكومة لإرساء منهج يرفض الإملاءات التي تنزع الشرعية عن محاكماتها. ويهدف هذا الموقف أيضًا إلى تحييد رواية بولسونارو بأنه ملاحق سياسيًّا، وإبراز أن الدولة تحمي استقلال القضاء وتفرض احترامه على الجميع.
واعتبر المودن أن هناك بعدًا جيوسياسيًّا آخر يتجاوز رهان الداخل البرازيلي، حيث يعمل الرئيس لولا على ترسيخ موقع بلاده كقوة محورية داخل دول الجنوب، وعلى رأسها "بريكس" التي تواجه السياسات الأمريكية اقتصاديًّا وجيوسياسيًّا.
وأضاف أنه "في هذا الإطار، تسعى البرازيل لرسم خطوط التفاعل مع واشنطن عبر الحد من التدخلات في شؤونها الداخلية، والاستناد في ذلك إلى شراكات اقتصادية مع الصين وروسيا وجنوب أفريقيا".
ويعتقد أستاذ التواصل السياسي أن البرازيل تراهن على مزيج من الشرعية الداخلية والدعم الجنوبي-الجنوبي الدولي لتعزيز استقلال قرارها السياسي والقضائي، حتى لو كان الثمن ضغوطًا اقتصادية أو سياسية أمريكية. وإذا نجحت في توسيع تحالفاتها وتعبئة الرأي العام، فقد يتحول هذا التحدي مع ترامب إلى رافعة لمكانتها الدولية، أما إذا فشلت فقد تجد نفسها أمام عزلة نسبية وابتزاز اقتصادي.