قال خبراء مختصون في ملف الهجرة، إن الانقسام داخل الاتحاد الأوروبي يتعمق حول خطة توزيع 30 ألف طالب لجوء قبل نهاية ديسمبر/ كانون الأول، إذ يعجز التكتل عن التوصل إلى آلية عادلة لتقاسم المسؤولية بين دوله، في وقت تتزايد فيه الضغوط السياسية والشعبية داخل القارة.
وورغم إقرار إصلاح واسع لسياسة الهجرة عام 2024، فإن الخلافات لا تزال تكشف هشاشة التضامن الأوروبي، خاصة بين دول أوروبا الغربية التي تستقبل الأعداد الأكبر من اللاجئين، ودول أوروبا الشرقية الرافضة لاستقبالهم تحت ضغط الرأي العام الداخلي وصعود اليمين المتطرف.
وتعتمد آلية التوزيع الجديدة على تصنيف الدول ضمن مجموعتين: دول "تحت ضغط المهاجرين" مثل إيطاليا، اليونان وإسبانيا، وأخرى ملزمة إما بتوطين حصص من طالبي اللجوء على أراضيها أو دفع مساهمة مالية تصل إلى 20 ألف يورو، عن كل شخص ترفض استقباله.
لكن المشكلة الأساسية، بحسب المفوضية الأوروبية، أن "كل الدول تقريبًا تعتبر نفسها تحت الضغط"، سواء بسبب أعداد الوافدين، أو امتلاء مراكز الاستقبال، أو المسحوبات المالية.
وقال الباحث الفرنسي في سياسات الهجرة، الدكتور فرانسوا جِميني، لـ"إرم نيوز" إن ما يجري اليوم يكشف أن الاتحاد الأوروبي "لم يصل بعد إلى مفهوم التضامن الفعلي"، رغم الإصلاحات الكبرى التي تم اعتمادها خلال السنوات الأخيرة.
وأوضح جِميني أن المشكلة "لم تعد مرتبطة بالأرقام بقدر ما ترتبط بالرمزية السياسية"، موضحًا: "30 ألف طالب لجوء رقم صغير في قارة تضم أكثر من 450 مليون نسمة، لكن القلق السياسي داخل الدول الأوروبية جعل هذا الرقم يتحول إلى معركة سيادية".
وأضاف أن التوتر بين الشرق والغرب "ليس جديدًا"، لكنه يتفاقم مع كل أزمة لجوء، مشيرًا إلى أن دول أوروبا الشرقية ترى أن سياسات اللجوء "فرضت عليها دون مشاركة في القرار"، بينما تعتبر دول الغرب والجنوب أن دول الشرق "تستفيد من السوق الأوروبية والدعم المالي، لكنها ترفض المشاركة في تحمل التبعات الإنسانية".
وأشار الباحث إلى أن العامل الأكثر تأثيرًا هو صعود اليمين المتطرف في الرأي العام الأوروبي، قائلاً:"أي حكومة اليوم تخشى أن تُتهم بالتساهل في ملف الهجرة، لأن ذلك قد يعني خسارة الانتخابات المقبلة".
ويعتقد جِميني أن الاتحاد الأوروبي أمام مفترق طرق، فإما أن ينجح في وضع آلية توزيع إلزامية تحترم القانون الدولي، أو يتحول الملف إلى "منافسة سياسية بين العواصم»، حيث تغلق كل دولة حدودها وتبحث عن حماية نفسها.
من جانبها، قالت كاثرين ويتول دو ويندن، لـ"إرم نيوز"، إن الاتحاد الأوروبي لا يزال عاجزًا عن تحقيق تقاسم عادل للمسؤولية، لأن القوانين الأوروبية تُطبَّق بشكل مختلف من دولة لأخرى، مما يخلق حالة عدم ثقة دائمة بين الحكومات.
وحذرت من أن غياب الثقة بين الدول قد يقود إلى إعادة إنتاج أزمة 2015 بأسلوب مختلف، موضحة "هناك دول تتهم غيرها بترك المهاجرين يعبرون إلى الشمال دون معالجة ملفاتهم، وهناك دول ترفض استقبال أي لاجئ رغم التزاماتها الأوروبية، هذه أزمة ثقة قبل أن تكون أزمة أرقام".
ورأت دو ويندن أنه إذا فشل الأوروبيون في توزيع 30 ألف طالب لجوء فقط، فكيف سيتعاملون مع موجات أكبر مستقبلًا بسبب المناخ أو النزاعات؟ هذه ليست أزمة هجرة، إنها أزمة سياسية بامتياز".
وفي الأيام الأخيرة، رفعت عدة دول صوتها للاعتراض، حيث ذكرت السويد بأنها تلقت 300 ألف طلب لجوء خلال 10 سنوات؛ وقالت بلجيكا إن مراكزها ممتلئة.
وأشارت ألمانيا إلى أنها استقبلت أكثر من مليون لاجئ أوكراني منذ الحرب؛ وبدورها، دافعت فرنسا عن جهودها في عمليات الإنقاذ ببحر المانش.
ووسط هذا التجاذب، تستعد المفوضية للإعلان عن حصص التوزيع الأسبوع المقبل، تمهيدًا لمفاوضات أكثر تعقيدًا بين الحكومات قبل نهاية العام.
ورأت دو ويندن، أن صعود اليمين المتطرف وتشدد الخطاب تجاه المهاجرين يجعل قبول توطين طالبي لجوء قادمين من دول أخرى مغامرة سياسية مرتفعة التكلفة.
واعتبرت أن المشكلة لم تعد قانونية أو تقنية فقط، بل أزمة ثقة بين العواصم الأوروبية نفسها؛ إذ تتهم دول مثل ألمانيا وبلجيكا وهولندا دول المتوسط بالسماح للمهاجرين بمغادرة أراضيها نحو الشمال دون معالجة طلباتهم، فيما تنفي روما وأثينا هذه الاتهامات.