logo
العالم

من الكونغو إلى زيمبابوي.. "صفقات الصين" في مرمى الغضب الشعبي

من الكونغو إلى زيمبابوي.. "صفقات الصين" في مرمى الغضب الشعبي
مناجم إيفانهو في الكونغو الديمقراطيةالمصدر: جون أفريك
17 أغسطس 2025، 12:18 م

هيمنت الصين بلا منازع خلال العقدين الماضيين على قطاع التعدين في أفريقيا، مستفيدة من اتفاقيات طويلة الأمد تمنحها استخراج المعادن الحيوية مقابل وعود ببناء البنية التحتية، لكن السحر بدأ ينكسر، والمشهد يتغير بسرعة مذهلة.

موجة جديدة من المقاومة الشعبية والحكومية تهدد السيطرة الصينية الراسخة، في لحظة تاريخية تطالب فيها القارة بالسيادة الاقتصادية والتنمية الحقيقية.

المجتمعات المحلية والحكومات الأفريقية لم تعد تقبل دور الشريك السلبي، وتطالب بتوزيع المنافع بعد أن كشفت السنوات عن فجوة هائلة بين ثروات القارة والنتائج التي عادت على شعوبها. فما كان يُنظر إليه كنموذج نجاح صيني في استخراج الموارد أصبح اليوم مصدر قلق سياسي، واقتصادي، واجتماعي كبير.

أفريقيا ليست مجرد مورد خام. فجمهورية الكونغو الديمقراطية وحدها تنتج 80% من الكوبالت العالمي، حجر الزاوية في البطاريات الحديثة للسيارات الكهربائية والإلكترونيات المتقدمة. لكن الاتفاقيات الصينية القديمة، مثل: Sicomines، أفرغت الموارد من قيمتها على السكان المحليين. 

أخبار ذات علاقة

مؤتمر طوكيو الدولي الثامن حول التنمية الأفريقية "تيكاد" في تونس

تطرح نفسها كبديل اقتصادي.. اليابان تنازع الصين على النفوذ في أفريقيا

الإعفاءات الضريبية

بحسب ائتلاف المجتمع المدني "الكونغو ليست للبيع"، كلفت الإعفاءات الضريبية الشركات الصينية الكونغو نحو 132 مليون دولار في 2024؛ ما أشعل الغضب الشعبي وأثار مطالبات بمراجعة شاملة للصفقات وإعادة توزيع المكاسب الوطنية.

وفي هذا السياق، أوضح سمير باتاتشاريا زميل مشارك في مؤسسة  أبحاث "أوبزرفر"، أن هذا التحرك لم يقتصر على الغضب الشعبي، بل انتقل إلى المفاوضات الرسمية، حيث اضطرت الحكومة الكونغولية إلى إعادة التفاوض على العقود القائمة، خصوصًا مع تقلب أسعار النحاس والمواد الخام الحيوية الأخرى. 

وأصبح الهدف واضحًا: رفع الحصص المحلية وتحقيق الشفافية في العقود، وضمان أن تعود الفوائد الاقتصادية مباشرة على القارة.

القارة تقول كلمتها

أحد أبرز الأمثلة جاء من مشروع مشترك مع شركتي سينوهيدرو الصينية ومجموعة السكك الحديدية الصينية، حيث تخطط الحكومة الكونغولية لرفع ملكيتها من 32% إلى 70%، لتصبح الشريك المسيطر فعليًّا. 

هذه الخطوة تعكس تحركًا إستراتيجيًّا نحو إعادة السيطرة على الموارد الوطنية، وتقليل الاعتماد الأعمى على الاستثمارات الأجنبية.

وفي ناميبيا وزيمبابوي، ظهرت فضائح فساد واستغلال، حيث صدَّرت شركات صينية آلاف الأطنان من خام الليثيوم دون بناء مرافق معالجة محلية، بينما ظل العمال يشتكون من ظروف عمل خطرة ومساكن دون المستوى المطلوب. 

وحتى الاستثمارات الحديثة، مثل: مصنع معالجة الليثيوم بقيمة 300 مليون دولار في زيمبابوي، من المرجح أن تعود أغلب فوائدها إلى الصين ما لم يتم فرض أطر تنظيمية صارمة لضمان الاستفادة المحلية.

أضرار بيئية واجتماعية تهز القارة

هيمنة بكين لم تقتصر على الاقتصاد فقط؛ بل امتدت إلى البيئة والمجتمع. ففي زامبيا، تسبّب تسرب حمضي كارثي من منجم نحاس صيني في تلويث أحد أهم مصادر المياه في البلاد. وفي زيمبابوي، رفضت السلطات البيئية طلبات شركات صينية لتعدين الفحم داخل المنتزه الوطني هوانجي؛ ما يوضح تصاعد المقاومة البيئية. 

أما في الكاميرون، فيتزايد الغضب الشعبي ضد مشروع لوبي-كريبي الضخم لخام الحديد، الذي يهدد النظم البيئية والصحة العامة والتراث الثقافي، بعد أن نفذت الشركات الصينية المشروع دون تشاور كافٍ مع المجتمعات المحلية أو مشاركة واضحة للمنافع.

هذه الأحداث تُبرز أن الهيمنة الاقتصادية يمكن أن تتحول إلى عبء اجتماعي وبيئي؛ ما يعمّق الاستياء الشعبي ويدفع الحكومات إلى التدخل.

 قوة الردع الاقتصادي

وأشار "باتاتشاريا" إلى أن التحولات لم تتوقف عند الغضب الشعبي فقط. فقد بدأت الدول الأفريقية بتطبيق سياسات إستراتيجية لتقليل الاعتماد على المواد الخام غير المعالجة. 

ففي عام 2022، فرضت زيمبابوي قيودًا على تصدير الليثيوم غير المعالج، بينما فعلت ناميبيا الشيء نفسه في 2023 مع الليثيوم والمعادن الحيوية الأخرى، بهدف دفع المستثمرين إلى بناء مصانع معالجة محلية، وبالتالي زيادة القيمة المضافة على مستوى القارة.

من خلال هذه السياسات، تفرض أفريقيا شروطها على المستثمرين الأجانب، مؤكدة أنها لن تسمح بتحويل الموارد الوطنية إلى مصدر ثراء لأطراف خارجية، بينما يبقى السكان المحليون محرومين من أي استفادة حقيقية.

أخبار ذات علاقة

ميناء "موارا" في بروناي

من بروناي إلى آسيان.. "التنين الصيني" يبني قلاعه التجارية وسط ضغوط أمريكية

صراع النفوذ الجديد

لم يعد مستقبل التعدين الأفريقي مضمونًا بالنسبة للصين؛ حيث تعيد الدول الأفريقية صياغة شروط العقود، وتفرض معايير بيئية صارمة، وتطالب بتحويل المواد الخام إلى منتجات ذات قيمة محلية. 

هذا التوجه الجديد يشير إلى تحوّل جذري: من كون القارة موردًا خامًّا إلى شريك أساسي في الاقتصاد الأخضر العالمي، مع قدرة على تحديد قواعد اللعبة نفسها.

إذا استمرت هذه السياسات، فإن سلسلة التوريد العالمية للمعادن ستشهد تحولًا جذريًّا. الدول الأفريقية ستصبح محورًا إستراتيجيًّا في صناعة البطاريات والتكنولوجيا النظيفة؛ ما يقلل الاعتماد على الصين ويعيد التوازن في الأسواق العالمية.

من السيطرة إلى الشراكة

يُثبت القادة الأفارقة أنهم قادرون على تحدي العقود الغامضة وإعادة صياغة الاقتصاد الوطني. التحركات الأخيرة تُظهر أن الصين، رغم امتلاكها أكبر استثمارات التعدين، فلم تعد الضامن الوحيد للسيطرة على الموارد. 

وتختبر القارة اليوم قدرتها على فرض الشروط، وتحقيق التنمية المحلية، وحماية البيئة، وفي الوقت نفسه تعزيز سيادتها الاقتصادية.

كما يضع المشهد الجديد الصين أمام اختبار حقيقي: هل ستتقبل شراكات أكثر عدلاً وشفافية، أو ستواجه موجة من المقاومة القوية التي قد تقلص هيمنتها على المدى الطويل؟

أخبار ذات علاقة

في العمق

بعد إزاحة أمريكا.. كيف نجح التنين الصيني في "ابتلاع" القارة السمراء؟ (فيديو إرم)

تهديدات مركبة

تواجه هيمنة  الصين في قطاع التعدين الأفريقي اليوم تهديدًا مركبًا: سياسيًّا، واقتصاديًّا، وبيئيًّا، وشعبيًّا؛ ولم تعد الحكومات الأفريقية مستعدة لقبول دور المستهلك السلبي للثروات المعدنية. 

تُعيد القارة من خلال السياسات الجديدة، والمطالبات بالقيمة المضافة، والمساءلة البيئية، رسم مستقبلها، مع تعزيز دورها في الاقتصاد العالمي. الصين، رغم تاريخها الطويل في المنطقة، على وشك مواجهة فصل جديد، حيث يتحول التحدي إلى فرصة لأفريقيا لتصبح لاعبًا إستراتيجيًّا وفاعلًا في الاقتصاد الأخضر العالمي.

;
logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2024 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC