وجهت الولايات المتحدة مجموعة من الرسائل إلى الصين من خلال التدريبات العسكرية التي يقوم بها الجيش الأمريكي مع قوات بنمية في قناة بنما.
وتؤكد واشنطن لبكين عبر هذه التدريبات العسكرية، أن قناة بنما ما زالت تحت الرقابة الأمريكية اللصيقة وأن الولايات المتحدة لن تسمح بأي اختراق صيني في فضاء تعتبره امتدادا مباشرا لأمنها القومي، وأنها قادرة على حماية مصالحها في أي ممر مائي استراتيجي.
وتفيد هذه الرسالة التحذيرية بأن واشنطن لن تسمح بتمدد النفوذ الصيني في مجال تعتبر أنه يتصل بأمنها الحيوي، مشددة على التمسك بما يعرف بـ"عقيدة مونرو" التاريخية القائمة لدى أمريكا، عبر أكثر من قرنين.
ويجري الجيش الأمريكي مع القوات البنمية سلسلة تدريبات عسكرية تهدف إلى "حماية قناة بنما"، وسط حديث عن "نفوذ صيني" على الممر المائي الحيوي.
وقال مايكل بالاسيوس، المفوض المساعد للخدمة الوطنية الجوية البحرية في بنما، إن التدريبات تهدف إلى إعداد القوات البنمية لصد أي تهديد يعرض أمن القناة ودفاعها للخطر.
وأجرى جنود أمريكيون تدريبات مماثلة في بنما قبل شهر بموجب اتفاقية ثنائية تسمح لواشنطن باستخدام القواعد الجوية والبحرية البنمية للتدريب دون إنشاء قواعد خاصة بها.
ويؤكد الخبير في العلاقات الدولية، الدكتور محمد بايرام، أن التدريبات العسكرية التي يجريها الجيش الأمريكي بالتعاون مع القوات البنمية، تحمل أبعادا استراتيجية ورسائل واضحة، في صدارتها أن قناة بنما ما زالت تحت الرقابة الأمريكية اللصيقة وأن واشنطن لن تسمح بأي اختراق صيني في فضاء تعتبره امتدادا مباشرا لأمنها القومي.
وأوضح بايرام، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن أحد أبرز هذه الأبعاد توجيه رسالة مباشرة من الولايات المتحدة إلى الصين، تؤكد أن قناة بنما ليست مجرد ممر مائي بل هي شريان استراتيجي للتجارة الدولية يربط بين المحيطين الأطلسي والهادئ، لذلك فإن السيطرة على محيطها أو التأثير عليه تعني امتلاك نفوذ سياسي عالمي.
وأفاد بايرام بأنه خلال السنوات الماضية، وخاصة الأشهر الأخيرة، كان هناك صعود ملحوظ للاستثمارات الصينية في بنما من تطوير الموانئ ومشروعات استراتيجية تحيط بالقناة؛ ما جعل واشنطن تستشعر التهديد عبر ما تقوم به بكين هناك واتخاذ خطوات ميدانية لمواجهة ذلك.
وبحسب بايرام، فإن التدريبات الجارية ليست مجرد نشاط عسكري عابر ولكنها رسالة تحذيرية مفادها أن الولايات المتحدة لن تسمح بتمدد النفوذ الصيني في مجال تعتبر في أمنها الحيوي بنصف الكرة الغربي، وهذا انسجام مع عقيدة مونرو التاريخية القائمة لدى الولايات المتحدة عبر أكثر من قرنين.
وأضاف بايرام أن هذه التحركات العسكرية تأتي أيضا في وقت يتصاعد فيه حد التنافس البحري بين واشنطن وبكين في مناطق أخرى مثل مضيق تايوان وملقا، وهي تحمل بعدا رمزيا يؤدي بشكل أو بآخر إلى فهم رسالة الولايات المتحدة بأنها قادرة على حماية مصالحها في أي ممر مائي استراتيجي.
واعتبر بايرام أن هذه التدريبات تعني بالضرورة أن أي تحول في موازين النفوذ حول القناة قد يكون له تبعات استراتيجية خطيرة لاسيما إذا ما تحول الاستثمار والاقتصاد الصيني إلى أوراق ضغط سياسية أو أمنية كما جرى في تجارب مشابهة في موانئ بأفريقيا وجنوب آسيا.
الخبير في الشؤون الأمريكية، رامي درويش، ذكر أن بكين قامت بمشروعات بنى تحتية وسارت على خط بعض الأعمال البحرية عبر شركات في بنما، خلال السنوات الماضية؛ ما جعل القناة تدخل ضمن مخاوف بتهديد مصالح استراتيجية ومحيط الأمن القومي الأمريكي.
ويقول درويش، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يعمل عبر هذه التدريبات العسكرية ضمن إطار الاستمرار في السيطرة على قناة بنما لمواجهة ما تجهز له بكين من خلال إقامة علاقات اقتصادية واستثمارية قوية ومتعددة وبعيدة المدى في دول أمريكا الوسطى والجنوبية.
وأشار إلى أن تحركات الصين تذهب بشكل مباشر إلى مخطط حصار مستقبلي ليس اقتصاديا فقط للولايات المتحدة ولكن له أبعاد تتعلق بوجودها في محيط مواقع تتعلق بالأمن القومي الأمريكي.
وبين درويش أن هذا الهاجس يظهر جليا في التعامل من خلال التدريبات العسكرية التي تقوم بها القوات الأمريكية عبر أحدث معداتها وآلياتها العسكرية البحرية والجوية والمشاة البحرية، في محيط قناة بنما.
واستكمل بالقول إن الوجود العسكري الأمريكي عبر هذه التدريبات والنقاط المتمركزة خلال الفترة المقبلة يعمل بعمق على منع الوجود الصيني الذي يأخذ أشكالا اقتصادية واستثمارية في القناة.
ولفت درويش إلى أن هذه العمليات تأتي استكمالا لعمل الولايات المتحدة مع إدارة ترامب في استعادة السيطرة على القناة استكمالا لصفقة بلاك روك بشراء حصة الأغلبية في موانئ داخل قناة بنما، وهي صفقة قادها مستثمرون أمريكيون، وتمت منذ 4 أشهر وأزعجت القيادة الصينية، حيث تحركت بكين بالفعل لمجابهتها بعدة صفقات.