لم يعد الصراع في أوكرانيا مجرد مواجهة ميدانية متبادلة، بل تحول إلى ساحة اختبار لإرادة الدول الكبرى وقدرتها على فرض معادلات جديدة على الأرض، وهو ما يتكشف من تصريحات رئيس الأركان الروسي فاليري جيراسيموف التي أدلى بها مساء اليوم، لتمنح الحرب بُعدًا إضافيًّا.
ولم يكتفِ جيراسيموف في تصريحاته بعرض نسب السيطرة الجغرافية بل وضعها في إطار يؤكد أن موسكو لا تتحرك بدافع التقدم العسكري وحده، بل بهدف صياغة واقع استراتيجي يصعب تجاوزه في أي تسوية قادمة.
وقدم رئيس هيئة الأركان الروسي تفاصيل دقيقة عن نسب السيطرة الروسية في الأقالم الأربعة، التي أعلنت موسكو ضمها منذ سبتمبر 2022، موضحا أن إقليم لوغانسك الشرقي، تحت السيطرة الروسية بنسبة 99.7%، وهو ما يعني قرب بسط السيطرة الكاملة على هذا الإقليم الحيوي.
أما عن إقليم دونيتسك الشرقي، فقد وصلت السيطرة فيه إلى 79%، ما يعكس تقدماً مطرداً في منطقة تُعد القلب الصناعي الأهم شرقي أوكرانيا، وذلك بحسب تصريحات جيراسيموف، الذي أشار إلى أن نسبة السيطرة على إقليم خيرسون ذي الأهمية البالغة نظراً لموقعه الجيوسياسي وإطلالته على البحر الأسود، بلغت 76%، وبلغت نسبة السيطرة على إقليم زابوريجيا الذي يحتضن أكبر محطة نووية في أوروبا حوالي 74%، ما يجعله محوريًّا في الحسابات الروسية والأوروبية على حد سواء.
ولم تقتصر تصريحات رئيس هيئة الأركان الروسية على كشف النسب السابقة، بل أوضح أن القوات الروسية تمكنت منذ مارس الماضي من فرض سيطرتها على ما يزيد عن 3,500 كيلومتر مربع إضافي من الأراضي الأوكرانية.
ويشير هذا المعدل الذي يقارب حوالي 700 كيلومتر مربع في الشهر إلى أن موسكو لا تعتمد أسلوب التقدم السريع قصير الأجل، بل تعمل على استراتيجية «الزحف البطيء»، التي تتيح لها تثبيت مواقعها والحفاظ على خطوط الإمداد.
وإلى جانب التوسع الميداني، شدد جيراسيموف، على أن الجيش الروسي نفّذ خلال فصلي الربيع والصيف ضربات دقيقة استهدفت 76 منشأة عسكرية ومجمعًا صناعيًّا تابعًا للقدرات الدفاعية الأوكرانية.
وشملت تلك الضربات، تدمير مكتب التصميم وورش إنتاج الوحدات القتالية الخاصة بمنظومة الصواريخ الأوكرانية «سابسان»، ما يعني ضرب أحد أبرز البرامج التسليحية التي كانت كييف تعوّل عليها لتعزيز قدراتها المحلية.
وفي تقييمه للوضع العام، أعلن فاليري جيراسيموف، أن المبادرة الاستراتيجية بالكامل في أيدي القوات الروسية، وهو توصيف يهدف إلى الإيحاء بأن الجيش الأوكراني لم يعد قادرًا على اتخاذ خطوات هجومية، بل بات مجبرًا على «سد الثغرات» في جبهاته الممتدة مع تكبده خسائر بشرية ومادية كبيرة.