يبدو مسار الاقتصاد العالمي مرشحا في الأعوام المقبلة لتحولات، أبرزها على الساحة الأوروبية التي شهدت فرض عقوبات ضد روسيا، وسط جدل حول أثر هذه الخطوة على الاقتصاد الأوروبي نفسه.
فبينما نجح الاتحاد الأوروبي مجددا في تمرير حزمة عقوبات جديدة ضد روسيا، تأتي الصرخات الأوروبية من تداعيات هذه القرارات الجديدة على دول القارة العجوز التي يعاني اقتصادها الأمرين.
خلال الساعات الماضية، جدد مجلس الاتحاد الأوروبي فرض إجراءات تقييدية على روسيا لمدة ستة أشهر أخرى تنتهي في 31 يناير كانون الثاني 2025، مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية.
وتشمل العقوبات القيود المفروضة على التجارة، والتمويل، والتكنولوجيا، والصناعة، والنقل، والسلع الفاخرة، وفرض حظر على استيراد النفط الخام وبعض المنتجات النفطية من روسيا إلى الاتحاد الأوروبي.
أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جنيف، الدكتور حسني عبيدي، قال إن ألمانيا من أكبر دول التكتل الأوروبي تضررا من حزمة العقوبات الجديدة التي طالت لأول مرة الغاز المُسال.
وذكر أن هذا تسبب خلال الأيام الماضية في نشوب خلافات كبرى داخل الحكومة الألمانية وتحديدًا بين المستشارية ووزارة الخارجية بشأن الإجراءات العقابية الأوروبية الجديدة على روسيا.
وكان وزير الاقتصاد الألماني زيجمار جابريل، اعترف في تصريحات له منذ أيام، أن العقوبات على روسيا تؤثر على الاقتصاد الأوروبي.
وفي هذا السياق، قال عبيدي، إن الحكومة الألمانية طالبت الاتحاد الأوروبي خلال الأيام الماضية بعدم إلزام الشركات بضمان امتثال الشركاء التجاريين لقواعد عقوبات الاتحاد الأوروبي.
وأشار إلى أن قطاع الصناعة، الذي يشكل الحصة الكبرى في الاقتصاد الألماني، يستهلك الطاقة بكثافة، وهذا يعني أن الشركات الألمانية تضررت بشكل كبير من ارتفاع أسعار الطاقة التي سجلت العام الماضي أعلى مستويات في أوروبا.
على الدول الأوروبية البحث في سبل تعويض الخسائر من خلال الابتكار
حسني عبيدي، أستاذ في العلاقات الدولية
وأوضح أستاذ العلاقات الدولية بجامعة جنيف، أن ارتفاع أسعار الطاقة سيظل عيبا تنافسيا واضحا أمام الحكومة الألمانية على المديين المتوسط والطويل.
وأكد أن ذلك يوجب أن تفكر الدول الأوروبية في سبل تعويض هذه الخسائر من خلال الابتكار، خاصة أن مشتريات برلين من الأسمدة زادت بعد التخلي عن الغاز الروسي بنسبة 300%.
بدوره، قال أستاذ الاقتصاد السياسي، الدكتور حسان القبي، إن العقوبات الجديدة على روسيا خطوة متتابعة من طرف الاتحاد الأوروبي، وتعد خطوة تجارية وليست جيوسياسية.
وأوضح أنه كان يجب على زعماء الاتحاد الأوروبي التفكير في بدائل للغاز الروسي قبل اتخاذ حزمة القرارات الجديدة التي أصبحت تهدد بالفعل الاستقرار الاقتصادي للدول الأوروبية.
وأشار أستاذ الاقتصاد السياسي إلى أن الاتجاه السائد داخل الاتحاد الأوروبي هو التحول إلى الولايات المتحدة لاستيراد الغاز، وهو ما يُجمع عليه الكثير من الدول الأعضاء، إلا أن هذه الفكرة يعتريها بعض الصعوبات.
وأوضح أن أبرز هذه الصعوبات أن العديد من الشركات الكبرى تجد صعوبة في التخلي عن الطاقة الروسية الرخيصة نسبيا، مقارنة بأسعار الغاز الأمريكي المرتفعة؛ بسبب مصاريف الشحن والنقل عبر الدول الأوروبية.
ولفت القبي إلى أن زعيم حزب الوطنيين الفرنسي فلوريان فيليبو، طالب أكثر من مرة بضرورة رفع العقوبات الأوروبية المفروضة على روسيا، مؤكدًا أن العقوبات ضد روسيا تؤثر على الشعب الفرنسي؛ بسبب الانفجار في أسعار الطاقة.