أثارت المحادثات غير المسبوقة بين الولايات المتحدة وروسيا، والتي استبعدت أوكرانيا من المفاوضات، جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية والإعلامية.
وبينما وصفها كثيرون بأنها تحول جذري في السياسة الأمريكية، أشادت وسائل الإعلام اليمينية بهذا التطور، معتبرة إياه خطوة نحو السلام و"نسمة من الهواء النقي" بحسب ما أورده تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز".
من بين أبرز الأصوات التي احتفت بالمحادثات، كاري ليك، المذيعة التلفزيونية السابقة التي تستعد لإدارة إذاعة صوت أمريكا، حيث وصفت الحدث بعبارات احتفالية قائلة: "لقد كان كل يوم يشبه صباح عيد الميلاد، أليس كذلك؟ الرئيس ترامب يريد السلام للجميع".
كما أبدى تشارلي كيرك، المؤسس المشارك لـ Turning Point USA ومضيف أحد أشهر البودكاستات المحافظة، تأييده العلني قائلًا إن هذه المفاوضات "نسمة من الهواء النقي".
أما جاك بوسوبيك، المؤيد المتشدد لترامب، فقد استشهد بكتاب ترامب الشهير "فن الصفقة"، واصفًا المحادثات بأنها "فن صفقة السلام".
على مدار السنوات الماضية، كان العديد من الشخصيات الإعلامية اليمينية من أشد المنتقدين لسياسة الولايات المتحدة تجاه أوكرانيا، معتبرين أن إرسال المساعدات إلى كييف يشكل عبئًا على دافعي الضرائب الأمريكيين. هؤلاء أنفسهم تحولوا اليوم إلى مؤيدين للسياسة الأمريكية الجديدة، التي تتضمن التفاوض المباشر مع روسيا، دون إشراك أوكرانيا، أو الاعتراف بمطالبها.
ويقول المحللون، إن هذا التغير ليس مجرد تحول سياسي، بل دليل على قدرة ترامب على إعادة تشكيل الخطاب العام داخل الحزب الجمهوري. فقد أصبح العديد من الجمهوريين الذين دعموا أوكرانيا في الماضي أكثر تقبلًا لفكرة تقديم تنازلات لروسيا، وهو ما يتجلى في موقف وزير الخارجية الحالي، ماركو روبيو، الذي كان سابقًا داعمًا قويًّا لكييف، لكنه الآن يقود المحادثات مع موسكو.
لعب الإعلام اليميني دورًا محوريًّا في تهيئة الرأي العام لهذا التحول الجذري، حيث سارع عدد من الشخصيات المؤثرة إلى دعم الخطوة.
تاكر كارلسون، المذيع السابق في فوكس نيوز وأحد أكثر الشخصيات الإعلامية شعبية في اليمين الأمريكي، خصص جزءًا كبيرًا من مقابلة مباشرة مع الرئيس المجري فيكتور أوربان لمناقشة الحرب في أوكرانيا، حيث قال أوربان: "لقد غيّر دونالد ترامب بالفعل عقلية العالم الغربي بأكمله".
كارلسون، الذي طالما عبّر عن تعاطفه مع بوتين، سبق أن أجرى مقابلة حصرية مع الرئيس الروسي في موسكو، حيث روج لرؤية بوتين للصراع واعتبر أن الغرب يستغل أوكرانيا لمواجهة روسيا. هذه المواقف جعلت من كارلسون شخصية رئيسة في الترويج لموقف ترامب الجديد.
المثير للجدل هو أن بعض الشخصيات الإعلامية اليمينية لم تكتفِ بدعم المفاوضات، بل حصلت على وصول غير مسبوق إلى أروقة الدبلوماسية الأمريكية.
فقد سافر جاك بوسوبيك، أحد المعلقين المحافظين، مع وفد رسمي إلى ألمانيا وبلجيكا وبولندا لحضور اجتماعات أمنية رفيعة المستوى، حيث بدا وكأنه يلعب دورًا نشطًا في المحادثات.
كما رافق لاحقًا وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت إلى أوكرانيا، حيث التقى بالرئيس فولوديمير زيلينسكي، واصفًا زيارته بأنها جزءٌ من "وفد السلام التابع لترامب".
هذا الأمر أثار استياء الدبلوماسيين التقليديين، الذين اعتبروا أن إشراك شخصيات إعلامية مؤدلجة في الشؤون الخارجية قد يعرض المصالح الأمريكية للخطر. ويرى المنتقدون أن السماح لهؤلاء بالتأثير في القرارات السياسية يهدد استقلالية السياسة الخارجية الأمريكية.
قال تقرير صحيفة "نيويورك تايمز" إنه في الوقت الذي احتفى فيه الإعلام اليميني بهذه التطورات، أعرب العديد من الخبراء عن قلقهم من أن هذه المحادثات قد تؤدي إلى تفكيك تحالفات أمريكا التقليدية. فالمفاوضات الثنائية مع روسيا، التي استبعدت أوكرانيا وأوروبا، تشكل سابقة خطيرة، خاصة أنها تتناقض مع السياسة الأمريكية السابقة التي فرضت عقوبات مشددة على موسكو بعد غزو أوكرانيا عام 2022.
بريت هيوم، المحلل السياسي المخضرم في فوكس نيوز، أبدى تحفظًا على المسار الذي تسلكه الإدارة الحالية، متوقعًا أن تكون المحادثات مجرد خطوة تمهيدية لجولات تفاوض أوسع.
وقال: "لا أعتقد أن ترامب سيبيع أوكرانيا، لكن لا يمكنك تحقيق السلام بين بلدين عندما تتفاوض مع طرف واحد فقط".