أصبحت الجماعات المسلحة في شمال نيجيريا، وعلى رأسها "بوكو حرام" وتنظيم "داعش" في غرب إفريقيا (ISWAP)، تعتمد على التكنولوجيا الرقمية بشكل متزايد لتعزيز عملياتها، وتوسيع دائرة عمليات التجنيد، في تحول خطير وغير مسبوق، يعيد تعريف مفاهيم الإرهاب في القرن الـ21.
من جهتها أعلنت القوات المسلحة النيجيرية في الـ18 من سبتمبر، عن إحباط خلية تابعة لـ"بوكو حرام" كانت تستخدم تطبيقات الرسائل المشفرة للتخطيط لهجمات منسقة في ولاية "بورنو"، لتؤكد هذه الواقعة أن الجماعات المسلحة في شمال البلاد لم تعد تقتصر على العمليات الميدانية التقليدية، بل دخلت الحرب الرقمية بقوة.
وبحسب مصادر مطّلعة فإن الجماعات المسلحة تعتمد على تطبيقات مشفرة مثل "تيليغرام" و"واتساب" لنشر الدعاية وتجنيد المقاتلين وتنظيم العمليات؛ خصوصًا أن هذا النوع من التطبيقات يتيح لها تبادل مقاطع فيديو دعائية وهجمات وجمع التبرعات بعيدًا عن أي رقابة أو اعتراض.
وحسب مركز الحوكمة الدولية والابتكار، فإن مقاطع تنظيم "داعش" في غرب إفريقيا التي تصور "نجاحات ميدانية" تنتشر بسرعة على هذه المنصات؛ ما يُلهم المتطوعين ويحفز التمويل.
ولم تتوقف الجماعات عند ذلك، بل أنشأت وحدات إعلامية متخصصة؛ فقنوات تنظيم "داعش" في غرب إفريقيا تنقل لقطاتٍ مباشرةً لمقاتليها في شمال شرق نيجيريا إلى مشغلي إعلام "داعش" في الخارج، الذين يعيدون صياغتها وإعادة نشرها بسرعة عبر حسابات خاصة على "تيليغرام"، في غضون ساعات بعد تنفيذ الهجمات.
وكشف مراقبون أن الجماعات المسلحة لم تعد تكتفي بالتشفير، بل توسعت لتستغل الخوارزميات على وسائل التواصل الاجتماعي؛ إذ أصبحت منصة "تيك توك" ساحةً رئيسية لبثّ الرسائل الإرهابية، من خلال أغانٍ ورقصات وميمات باللغة "الهوساوية" تصل إلى ملايين الشباب في شمال نيجيريا.
وحسب المرصد الإفريقي للديمقراطية الرقمية، يوفر "تيك توك" فرصة غير مسبوقة للمجموعات المتطرفة لنشر الدعاية وتجنيد الأتباع، وفي الشمال الغربي، استغلت جماعات العصابات المنصة نفسها لعرض مطالبات الفدية؛ ما أسهم في تطبيع العنف في المجتمعات المحلية.
ويعتقد الخبراء أن الجماعات المسلحة أدخلت أدوات الذكاء الاصطناعي إلى حملاتها الدعائية، بما في ذلك مقاطع فيديو مزيفة (Deepfakes)، ومذيعين آليين، وروبوتات دردشة متعددة اللغات لتجنيد الأعضاء، وقد سبق أن استخدمت هذه التكتيكات خلال الانتخابات النيجيرية 2023، حيث جرى تداول مقاطع صوتية مفبركة تُظهر مرشحين رئاسيين متورطين في تزوير الأصوات.
ويشير المحللون إلى أهمية مراقبة الزيادات المفاجئة في الحسابات المجهولة على "تيليغرام" و"تيك توك"، خاصة المحتوى المتطرف باللغة "الهوساوية"؛ إذ غالبًا ما تسبق هذه الحملات أحداث عنف حقيقية، وفي عام 2020، كشفت تحقيقات عن أن ادعاءات زائفة عن قتل الجيش لنشطاء مسلمين، كانت جزءًا من حملة دعائية لـ"بكو حرام".
من جانبها اتخذت نيجيريا خطوات لمواجهة التهديد الرقمي، من بينها قانون الجرائم الإلكترونية لعام 2015 وإستراتيجية الأمن السيبراني الوطنية 2021، وتأسيس وحدات استخباراتية رقمية، إضافةً إلى إنشاء قوة عمليات خاصة لمكافحة الإرهاب والأمن السيبراني، لكن ومع ذلك، تظلّ الثغرات كبيرة، بما في ذلك ضعف التنسيق بين الوكالات، ونقص الخبرات، والاعتماد المفرط على إجراءات تقليدية: مثل إيقاف شبكات الهاتف المحمول؛ ما يضر بالمدنيين ويتيح للمسلحين التكيف بسرعة.