ترامب يعلن أنه سيوجّه "خطابا إلى الأمة" الأربعاء

logo
العالم

"حرب لا تنتهي".. لماذا تعجز الجيوش الأفريقية عن حسم مواجهة "بوكو حرام"؟

مقاتلون من جماعة بوكوحرامالمصدر: الغارديان

أعاد الهجوم الذي شنّه تنظيم "بوكو حرام" في قرية دار الجمال شمال شرقي  نيجيريا، مؤخراً، والذي ذهب ضحيته أكثر من 60 قتيلاً، النقاش حول "استعصاء" ذلك التنظيم المتشدد، وقدرته على الاستمرار على الرغم من الحملات الأمنية والعسكرية النيجيرية والإقليمية تحت عنوان "القوات متعددة الجنسيات"، ووسط استفحال الانقسام ما بين جماعة "أهل السنة للدعوة والجهاد" الموالية لتنظيم "القاعدة"، وبين مجموعة "ولاية غرب أفريقيا" الموالية لتنظيم "داعش".

أخبار ذات علاقة

قوات من الجيش النيجري

جيش النيجر يعلن تصفية "باكورا" زعيم "بوكو حرام" (فيديو)

وفي جدول الدول الأكثر تأثراً بالإرهاب في العالم تحتل نيجيريا المركز السادس على "مؤشر الإرهاب العالمي" GTI، فيما تتقدمها النيجر في المرتبة الخامسة، ومالي في المرتبة الرابعة، وجميعها ذاقت ويلات تنظيم "بوكو حرام"، والذي وإن نشأ وتأسس في مدينة BORNO "بورنو" النيجيرية إلا أنه تمكن من التوسع على الجغرافيا المتاخمة لها، وأولها النيجر، والتشاد، والكاميرون.

تصعيد نوعيّ 

تؤكّد دراسات عسكرية وأمنية في المنطقة الأفريقية أنّ التنظيم المتشدد صعّد بشكل ملحوظ عملياته من خطف واحتجاز واغتيال خلال السنة الماضية والجارية، وزاد من ترسيخ أقدامه في منطقة بورنو الواقعة شمال شرقي نيجيريا وهي منطقة حدودية مع النيجر والتشاد والكاميرون، عقب خسارته لهذه المنطقة الإستراتيجية خلال السنوات الماضية.

وتشير إلى أنه على الرغم من انشقاق التنظيم إلى فريقين متقاتلين، إلا أنّ الاقتتال الشديد بينهما لم يمنع من ازدياد عملياتهما ضدّ سكان منطقة "بحيرة تشاد"، وضدّ القوات الأمنية والعسكرية النيجيرية.

وكشف مرصد الأزهر لمكافحة التطرف في تقريره الشهري أن شهر أغسطس 2025 شهد تحولاً مقلقاً في تكتيكات التنظيمات المتشددة في منطقة الغرب والساحل الأفريقي، إذ تراجع عدد الهجمات من 28 عملية في يوليو إلى 11 فقط في أغسطس، غير أن الحصيلة البشرية ارتفعت بشكل لافت من 194 قتيلاً إلى 338 قتيلاً، إلى جانب 60 مختطفاً وجريحين.

ولفت المرصد إلى أنّ نيجيريا شهدت هجوماً واحداً خلال شهر أغسطس، ولكنه كان في غاية الدموية، إذ خلّف 63 قتيلاً و60 مختطفاً، في مؤشر على استمرار اعتماد جماعات مثل "بوكو حرام" و"ولاية داعش غرب أفريقيا" على الاختطاف كمصدر تمويل وأداة ضغط.

وتشير مصادر نيجيرية إلى أنّ التنظيم (في نسختيه القاعدتية والداعشية) يقف وراء أكثر من 66% من الوفيات الناجمة عن العنف في البلاد. 

كما تطرح مراكز التفكير الإستراتيجي في الظاهرة المتشددة في أفريقيا أسئلة عميقة عن أسباب الاطراد الكمي والكيفي لعمليات تنظيم "بوكو حرام"، على مدى نحو عقدين من الزمان، على الرغم من الجهود المحلية والإقليمية والدولية القائمة.

أخبار ذات علاقة

جنود في نيجيريا

حاكم ولاية نيجيرية: مخبرون لـ"بوكو حرام" داخل الجيش والأحزاب

الهشاشة الحزبية

أول أسباب صمود التنظيم، تكمن في الهشاشة السياسية في البلاد على الرغم من الاستقرار النسبي فيها، ذلك أنّ الأحزاب السياسية لم تصل إلى مستوى المنظومات المدنية التعاقدية بين أفراد المجتمع، فهي عبارة عن امتدادات إثنية ودينية وقبلية.

وتلعب كل هذه الامتدادات أدواراً كبيرة في الانتخابات العامة في البلاد، وهو ما يضعف كثيراً بنية الدّولة التي ينهشها الفساد حيث تحتل نيجيريا المرتبة 140 من جملة 180 دولة في مؤشر مدركات الفساد العالمي، إضافة إلى تفشيه من خلال الرواتب الوهمية، والرشوة، والمحسوبية.

وعلى الرغم من الإنتاجات الكبيرة من النفط، ومن احتياطات نيجيريا من الذهب الأسود، إلا أنّ الفساد كبح عجلة النمو والاستثمار في البلاد، ومنع إنشاء اقتصاد وطني على قاعدة العدالة الاجتماعية وهو ما حال بدوره – وفق عدّة مراقبين- دون انخراط غالبية الشعب النيجيري في الحرب ضدّ "بوكو حرام"، لا يعني هذا أبداً أنّ الشعب في غالبيته انحاز للتنظيم، ولكنه في المحصلة لم يشكل مع القوات الأمنية والعسكرية كتلة واحدة في مواجهته، إلا إذا استثنينا تجربة قوّة "yangora" في مدينة "بورنو" وهي تجربة لم تستطع التجربة النيجيرية استنساخها في باقي البلاد.  

قصور القوات المتعددة الحنسيات

القصور الإقليمي لا يقل فداحة عن القصور المحليّ، إذ إن "القوات المتعددة الجنسيات للمهام المشتركة" والتي تضمّ كلاً من: نيجيريا، والنيجر، وتشاد، وكاميرون، وبنين، والتي تمّ تأسيسها، في 1994، قبل أن تضطلع، في 2015، بمهام محاربة "بوكو حرام" في المنطقة، لم تفلح في القضاء على التنظيم المتشدد، ولم تفلح حتّى في تحجيم حضوره، وتقليص نفوذه في فضاء "بحيرة تشاد".

أخبار ذات علاقة

جنود نيجيريون يحملون علم بوكو حرام الذي استولوا عليه في بلدة  بعد استعادتها

عشرات القتلى في هجوم لمتشددين شمال شرق نيجيريا

رغم التمويل الذي تمتعت به القوات المتعددة الجنسيات من الولايات المتحدة الأمريكية ومن أوروبا، والدعم الأممي في حربها ضدّ تنظيم "بوكو حرام" والذي سرعان ما صنف جماعة متشددة لدعم شرعية صراعها ضدّه، إلاّ أنّ القوات أظهرت تخبطاً كبيراً في منازلتها إياه.

لعل آخرها تمكن التنظيم من اغتيال 40 جندياً تشادياً في أواخر 2024، ما دفع الرئيس محمد إدريس ديبي بالتلويح بالانسحاب من القوة متعددة الجنسيات.

نفس التململ من القوّة أبدته النيجر، التي أعلنت، في وقت سابق، انسحابها من القوة، وبحسب المصادر الأفريقية، فإنّ مغادرة النيجر لهذا التكتل يعود لقلة الموارد المالية، وضعف الإمكانات اللوجستية، وتداخل السياسات الوطنية بالسياسات الإقليمية في محاربة التنظيم.  

ويؤكد الباحث شعيب العابد في دراسته المرجعية حول محدودية القدرات النيجيرية في مكافحة تنظيم "بوكو حرام"، أنّ عمل القوة متعددة الجنسيات قُسّم إلى 4 قطاعات كبرى، وهي: القطاع الأول خاص بالكاميرون، ومقره مورا، والقطاع الثاني خاص بالتشاد، ومقره باغا سوال، والقطاع الثالث خاص بنيجيريا ومقره باغا، والقطاع الرابع خاص بالنيجير ومقره ديفا.  

وأضاف أنّ هذا التقسيم الاستخباراتي واللوجستي والعسكري مدعوماً بالإمدادات العسكرية الأفريقية والأوروبية والأمريكية، ساهم، خلال الفترة ما بين 2015 إلى 2017، في تحجيم قوة "بوكو حرام"، وتحرير الكثير من الرهائن، ودحرها خارج معقلها الأساس في "بورنو"، وقد سارع حينه، أي في 2015، الرئيس النيجيري السابق محمد بخارى إلى إعلان الانتصار على "بوكو حرام". 

إلا أنّ التنظيمَ سرعان ما تمكّن من استعادة زمام المبادرة، وأعاد توحيد قواته تحت رايته، وشنّ هجوماً عنيفاً على مقر القوة في مدينة "باغا".

أخبار ذات علاقة

عناصر من بوكو حرام

نيجيريا.. أحكام بالسجن بحق 44 من "بوكو حرام" بتهمة تمويل الإرهاب

 
إشكال في مستوى تمثّل الحرب 

في التفاصيل، تتحدث مصادر أفريقية مطلعة أنّ إشكالاً حقيقياً متصلاً بتمثّل وموقف الدول الأعضاء في القوة من محاربة التنظيم المتشدد، أثّر بشكل كبير في مستوى انخراطها في الصراع.

فالنيجر، وكاميرون، وتشاد، تُلقي باللائمة، بشكل غير مباشر، على نيجيريا في استفحال قوّة "بوكو حرام"، وتعتبر أنّها في حرب شعواء ضدّ امتداداته على أراضيها، في حين ترى نيجيريا أنّ "بوكو حرام" ما كان له أن يمتد خارجها، ويزداد قوة، بغير الإمدادات العسكرية والمالية واللوجستية المتدفقة من خارج نيجيريا، وهو ما ترجعه، في حدوده الدنيا، إلى ضعف منظومة مراقبة الحدود، واستفادة بوكو حرام من عصابات الجريمة المنظمة من مافيات سلاح، ومخدرات، وتهريب.

في المقابل، يبدو أنّ التنظيم المتشدد – إلى حدّ هذه اللحظة على الأقل- تمكن من تجاوز حالة الانقسام الهيكلي الذي شققت صفوفه بين جناح تابع للقاعدة وآخر تابع لـ"داعش"، من خلال التقاسم غير المعلن للنفوذ والجغرافيات، فمن الواضح أنّ جناح القاعدة يستوطن بعض المناطق التشادية فيما يتموقع جناح "داعش" منطقة بورنو في نيجيريا.

وفي المحصلة أيضاً، لا يمكن تجاهل المعطى الدولي في استعصاء تنظيم "بوكو حرام"، فاستمرار نيجيريا على حالتها تلك من الضعف والهوان العسكري والهشاشة السياسية والحزبية، وتواصل "القوة المتعددة الجنسيات" على وضعها المتشرذم والمتشظي، يزيدان من مشروعية الطلب النيجيري للدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية في البقاء ضمن منظمة الساحل.

أخبار ذات علاقة

الرئيس النيجيري بولا تينوبو

لـ"كبح العنف".. نيجيريا تتجه لإنشاء "شرطة الولايات"

وهو استحقاق تبتغيه وترتضيه القوى الدولية التي تسعى دائماً إلى أن تبقى بجوار منابع النفط في نيجيريا وموارد اليورانيوم في النيجر، لاسيما أنّ حاجة الولايات المتحدة الأمريكيّة للنفط الأفريقي "حيوية"، بل هي مسألة"حياة أو موت".

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC