حدد خبراء في الشؤون الإيرانية والعلاقات الدولية مجموعة من الدوافع التي قد تدفع طهران إلى التفاوض مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإنهاء الحرب القائمة مع إسرائيل، وإبرام اتفاق نووي بصيغة وبنود جديدة.
وأوضحوا في تصريحات لـ"إرم نيوز" أن إيران مستعدة للتعامل مع مختلف الشروط، لكنها ترفض فرض ما وصفوه بـ"فلسفة الاستسلام المشروط"، التي تحدّث عنها ترامب في مناسبات عدة مؤخرا.
وأشار الخبراء إلى أن أبرز ما يدفع طهران نحو التفاوض هو إنقاذ ما تبقّى من برنامجها النووي، مرجحين ألا يكون ملف "التخصيب" نقطة الخلاف الكبرى، مع إمكانية التوصل إلى حل وسط يسمح لإيران بتخصيب اليورانيوم في حدود الاستخدام السلمي.
وكان المتحدث باسم الرئاسة الإيرانية، ماجد فرحاني، صرّح مؤخرا لشبكة "سي إن إن" الأمريكية بأن إيران لن تتوقف عن تخصيب اليورانيوم لأغراض سلمية، لكنها قد تُقدّم بعض التنازلات.
وأكد فرحاني أن المفاوضات يمكن أن تُستأنف بسهولة إذا أمر الرئيس ترامب إسرائيل بوقف هجماتها على إيران.
ويؤكد الخبير في الشأن الإيراني، الدكتور أحمد الياسري، أن دوافع إيران التفاوضية ترتبط بعدة اعتبارات، من بينها الحاجة إلى وقف الحرب وإنقاذ ما تبقّى من برنامجها النووي. وأضاف أن طهران باتت أقرب إلى التوصل إلى اتفاق، ترى فيه نجاحا بردع إسرائيل وكسر "الهالة" التي لطالما استخدمتها تل أبيب في مواجهتها.
وأوضح الياسري لـ"إرم نيوز" أن إيران تعتبر أن الوقت قد حان لوقف الحرب والوصول إلى اتفاق، بما يُعيد تثبيت حضورها الإقليمي، ويردّ على التصورات القائلة بأنها تراجعت بفعل ضربات استهدفت حزب الله أو النظام السوري. ولفت إلى أن الاتفاق المنتظر، سواء شمل ملف التخصيب أو غيره، لن يتم إلا دون فرض ما يُسمّى بـ"الاستسلام المشروط".
وأشار إلى أن الإيرانيين يريدون الحفاظ على ما تبقّى من مواقعهم النووية، بعد أن وجهوا رسالة واضحة لنتنياهو بأنهم لم يتراجعوا. ورجّح أن الخلاف مع واشنطن سيكون حول صيغة الاتفاق، وليس على مبدأ التفاوض، حيث سترفض طهران أي شروط غير قابلة للنقاش، وتطالب بمبدأ "الأخذ والرد" مقابل كل بند تطلبه إدارة ترامب.
وتوقّع الياسري ألا يكون ملف التخصيب جوهر الخلاف، في ضوء ما أعلنته الوكالة الدولية للطاقة الذرية مؤخرا بشأن عدم وجود أدلة تؤكد امتلاك إيران لسلاح نووي، وهي نقطة اعتبرها أساسية، مشيرا إلى أن التخصيب وحده لا يعني التوجه نحو إنتاج السلاح، طالما وُجد اتفاق دولي يضبط هذا المسار.
وأضاف أن ترامب يضغط على الطرفين الآن، بعد أن ترك نتنياهو ينفرد بمواجهة إيران والعكس، وهو يسعى لوضع "سكين التفاوض" على رقبة طهران، وفي الوقت نفسه يحاصر نتنياهو سياسيا بعد أن بالغ في تصور قدرته على العمل العسكري المنفصل عن دعم واشنطن، كما يراه ترامب.
من جانبه، قال الخبير في العلاقات الدولية نبيه واصف إن هناك ترددا في موقف ترامب بشأن إيران، في ظل ارتفاع الأصوات الداعية للتفاوض، وتزامن ذلك مع ضغوط داخلية في الولايات المتحدة من انقسامات داخل الكونغرس وفريق الأمن القومي ووزارة الخارجية. وأظهرت استطلاعات رأي ارتفاع نسبة المعارضين لمشاركة أمريكا في حرب مع إيران دعماً لإسرائيل.
وأكد واصف لـ"إرم نيوز" أن تحرك الإمدادات العسكرية الأمريكية، ومن ضمنها حاملات الطائرات إلى الشرق الأوسط، يضع ضغطا على إيران، لكن طهران ترى أن الخروج بجزء من الاتفاق الآن يُعدّ مكسبا، طالما لم يُنتزع منها حق تخصيب اليورانيوم داخليا، ولو بنسب مخصصة للأغراض السلمية.
وبيّن أن إيران ترى في التفاوض ضرورة لاحتواء الخسائر التي لحقت بالبنية التحتية النووية جراء الضربات الأخيرة. لكنه أشار إلى أن ما قد يعرقل التفاوض هو تمسّك طهران بإدخال وسطاء إضافيين، ورفضها الاقتصار على الترويكا الأوروبية والوكالة الدولية، التي تتهمها بعدم الحياد، خاصة في المقارنة مع الملف الإسرائيلي.
وأشار إلى أن إحدى نقاط الخلاف المحتملة في حال بدء التفاوض ستكون حول آلية التفتيش؛ إذ ترفض إيران الصيغة التي يريدها ترامب، بما يتيح وجود مفتشين أمريكيين على نحو مباشر، وهو ما تعتبره طهران تنازلًا غير مقبول، لا يتماشى مع ما حققته من ردٍّ على العملية الإسرائيلية بدعم أمريكي.
وختم واصف بالقول إن الإشارات الصادرة من طهران بشأن التفاوض المباشر مع أمريكا، وتفضيلها على محادثات الترويكا الأوروبية، تعكس سعيا نحو اتفاق "مناسب سياسيًا"، لا يُترجم دعم ترامب المطلق لإسرائيل إلى تنازلات إضافية من جانب طهران.