تصطدم طموحات المستشار الألماني فريدريش ميرتس، في تحويل بلاده إلى قوة عسكرية رائدة في أوروبا بمعضلة الصين التي لا تزال ممسكة بزمام الأمور، بفضل سيطرتها على المعادن الأساسية اللازمة لصناعة الدفاع في القارة العجوز.
وإذا تراجعت المواد ذات المصدر الصيني فجأة، فقد يؤدي ذلك إلى وقف الخطط الصناعية الدفاعية، كما يحذر جاكوب كوليك، الباحث في جامعة كيمنتس للتكنولوجيا والخبير في سياسة المعادن النادرة.
وخطة المستشار الألماني لجعل القوات المسلحة لبلاده "أقوى جيش تقليدي في أوروبا" تأتي بتكلفة غير مسبوقة، إذ تعهدت برلين بإنفاق مئات المليارات على الدفاع حتى عام 2029، محطمة بذلك عقوداً من ضبط النفس المالي، وفق تقرير لصحيفة "بوليتيكو".
وجزء كبير من هذه الأموال بدأ يتدفق بالفعل، إذ تتضاعف طلبات المركبات العسكرية، كما يتزايد إنتاج الصواريخ، فيما الطلب متنام على الذخير، وفي وقت تتسابق شركات الدفاع لإعادة تجهيز المصانع وإحياء خطوط الإنتاج المعطلة منذ فترة طويلة، إلا أن عملية إعادة التسلح تبنى على أسس هشة.
كل دبابة أو صاروخ أو طائرة دون طيار يتم طلبها كجزء من جهود إعادة تسليح ألمانيا، تعتمد على مواد خام لا يستطيع غير عدد قليل من الأشخاص خارج صناعة الدفاع تسميتها.
ووفقاً لاتحاد الصناعات الألمانية، وهو أكبر جماعة ضغط صناعية في البلاد، تُشكل العناصر الأرضية النادرة، مثل النيوديميوم والديسبروسيوم، إلى جانب التنغستن والجرافيت والتيتانيوم والمغنيسيوم عالي النقاء، العمود الفقري للأنظمة العسكرية المتطورة، فهي تُشغّل مصفوفات الرادار، والمحركات الكهربائية، وزعانف توجيه الصواريخ، والمناظير الحرارية، ودفع الطائرات المسيرة، بوصفها جوهر الحرب الحديثة.
لكن معظمها يأتي من الصين، وهذا في وقت يحذر فيه اتحاد الصناعات الألمانية من أن الاتحاد الأوروبي يستورد 95% من جميع مواده الخام الاستراتيجية، ويعتمد على دول خارج الاتحاد الأوروبي في 90% منها. أما ألمانيا، فتكاد تكون معدومة في عمليات المعالجة المحلية.
وتسيطر الصين على أكثر من 50% من عمليات المعالجة العالمية للعديد من المعادن الأساسية، وما يصل إلى 86% في بعض أهم المعادن ذات الصلة بالدفاع، بما في ذلك الغاليوم والجرمانيوم.
ويزداد الخطر جسامة كلما ازدادت الأسلحة تطوراً، إذ تعتمد طائرات يوروفايتر على التيتانيوم القوي وخفيف الوزن، المعالَج أساساً في الصين، في هياكلها، وعلى معادن خاصة مقاومة للحرارة في محركاتها، كما أكدت شركة راينميتال أن قذائف دباباتها الخارقة للدروع تستخدم نوى تنغستن كثيفة.
وفي المقابل، فإن الصين تعمل بنشاط على الحد من صادرات المواد الخام الأساسية إلى شركات الدفاع الغربية، ما يتسبب بتأخير الإنتاج وارتفاع التكاليف في جميع أنحاء الصناعة، ما يشكّل مصدر قلق خاص للولايات المتحدة.
في حين وعد الاتحاد الأوروبي بتأمين الوصول إلى المعادن الرئيسة، يُجادل كوليك بأنه لم يتوصل إلى الاستنتاجات الاستراتيجية اللازمة. وقال: "هذا هو المجال الوحيد الذي أعتقد أننا أهملناه تماما، سواء في الاتحاد الأوروبي أو في ألمانيا".
وتختلف الأطر القانونية على جانبي الأطلسي اختلافاً جذرياً، فواشنطن تُعامل هذه الموارد كأصول استراتيجية، حيث تُمكّن قوانين مثل قانون الإنتاج الدفاعي الحكومة من تمويل التعدين المحلي، وتوجيه سلاسل التوريد، وإعطاء الأولوية للاحتياجات الدفاعية في حالات الطوارئ.
وتحتفظ الولايات المتحدة باحتياطي وطني من خلال وكالة اللوجستيات الدفاعية، وهي شبكة أمان فيدرالية مُصممة لحالات الطوارئ في زمن الحرب، ومع ذلك، لا تزال بحاجة إلى الصين.
في المقابل، اتخذت بروكسل مساراً أكثر مرونة، فقانون المواد الخام الحيوية يضع أهدافاً وأطراً رفيعة المستوى، لكنه يترك التنفيذ الفعلي للتنسيق الطوعي بين الدول الأعضاء، دون وجود سلطة مركزية تدعم التنفيذ.
ويقول بعض المشرعين في برلين إن النهج الحالي للاتحاد الأوروبي لا يصل إلى الحد الكافي، كما تقول فانيسا زوبل، من الحزب الديمقراطي المسيحي المحافظ، وعضوة لجنة الشؤون الاقتصادية في البوندستاغ، منتقدة قانون المواد الخام الأساسية للاتحاد الأوروبي، وتصفه بأنه حسن النية ولكنه غير فعال.