يرى خبراء أن روسيا خرجت منتصرة عقب إعلان الولايات المتحدة عن اتفاق أمني بين موسكو وكييف في البحر الأسود بعد الجولة الثانية من المحادثات بشأن أوكرانيا في المملكة العربية السعودية.
ومع ذلك فإن نقطة الخلاف بين الأطراف الثلاثة تتواصل حول المتحكم في محطة الطاقة في "زابوروجيا".
وينص الاتفاق على "ضمان سلامة الملاحة، والقضاء على استخدام القوة، ومنع استخدام السفن التجارية لأغراض عسكرية في البحر الأسود".
ويبدو أن هذا الاتفاق مفيد لموسكو في المقام الأول، كما أشار العديد من الخبراء في وسائل الإعلام في الأيام الأخيرة.
ومن وجهة نظر المحاضر في معهد العلوم السياسية في باريس والمعهد الوطني للغات والحضارات الشرقية (إينالكو)، باتريك مارتن جينيير، فإن "روسيا هي الفائزة لأن البحر الأسود ملك لأوكرانيا بالفعل، وكييف تسيطر عليه عسكرياً. لذا، مع وقف إطلاق النار، حتى لو كان مؤقتاً، تخرج موسكو منتصرةً"، بحسب قوله لقناة "فرانس 24" الفرنسية.
وقال جينير إن المفاوضات في الرياض تشكل أيضاً "نجاحاً دبلوماسياً واستراتيجياً" بالنسبة لروسيا، لأن من شأنها أن تسمح لموسكو - بعد انسحابها من اتفاقية الحبوب في العام 2023 - باستئناف صادراتها من الحبوب حيث "تريد روسيا من خلال هذا الاستئناف أن تتمكن من تصدير منتجاتها مباشرة إلى الجنوب العالمي وإلى أفريقيا - حيث تمتلك موسكو مصالح اقتصادية".
بدوره، أوضح المتخصص في التاريخ البحري، الأستاذ في كلية كينجز بلندن، أليسيو باتالانو لموقع "ميديابارت" الفرنسي، اليوم الجمعة، أنه في ظل هذه الظروف، فإن الاتفاق الذي اقترحته واشنطن يضر بأوكرانيا، التي كانت "لها ميزة وحيدة في قدرتها على ضرب الهياكل العسكرية الروسية في البحر الأسود".
ويشكل مصير محطة زابوروجيا للطاقة النووية نقطة خلاف بين الأطرافالمشاركة في مفاوضات الهدنة في أوكرانيا.
وكانت المحطة الأوكرانية، التي استحوذت عليها القوات الروسية منذ الأيام الأولى للحرب قبل أكثر من 3 سنوات، موضوع نقاش بين واشنطن وموسكو وكييف لأكثر من أسبوع.
وتختلف الدول الثلاث بشأن مستقبل أكبر محطة للطاقة في أوروبا والتي كانت توفر 20% من الطاقة لأوكرانيا قبل الحرب.
واقترح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خلال مكالمة هاتفية، في 20 مارس، مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أن تسيطر الولايات المتحدة على محطات الطاقة الأوكرانية، بما في ذلك محطة زابوروجيا.
وهو "اقتراح من شأنه أن يوفر أفضل حماية ودعم ممكنين"، بحسب المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت.
لكن أوكرانيا لا ترى الأمر بهذه الطريقة، ففي اليوم التالي، رفض فولوديمير زيلينسكي المقترح الأمريكي قائلاً: "لن نناقش هذا الأمر. لدينا 15 مفاعلاً نووياً عاملاً اليوم. كل هذا ملكٌ لدولتنا".
هذا ما أعلنه الرئيس الأوكراني، الذي أكّد أنه سيستمع إلى الأمريكيين إذا "أرادوا تحديث محطة زابوروجيا للطاقة والاستثمار فيها".
من جانبها، رفضت روسيا، في 25 مارس، السماح لهذه المنشأة النووية بالإفلات من سيطرتها.
وقالت وزارة الخارجية الروسية إن "نقل محطة الطاقة الكهربائية في زابورجيا إلى سيطرة أوكرانيا أو أي دولة أخرى أمر مستحيل".
وبعد أن تم الإعلان عن الاتفاق الذي توصلوا إليه في المحادثات الأخيرة في المملكة العربية السعودية، أصبح مقروناً بشروط من جانب روسيا.
وتأمل موسكو، في الحصول على عدد من التنازلات من أجل الوفاء بالتزاماتها، بدءاً بتخفيف القيود الغربية على بنك روسيا الزراعي المملوك للدولة "روسلخوزبانك"، فضلاً عن المؤسسات المالية الروسية الأخرى المرتبطة بالغذاء والأسمدة.
وتريد روسيا، على وجه الخصوص، إعادة دمج مؤسساتها في نظام سويفت الدولي لتسوية المعاملات بين البنوك.
وتم استبعاد موسكو من شبكة نقل المعلومات المالية الأكثر استخداماً في العالم لأكثر من 3 سنوات، وهي العقوبة التي قررها الغرب ضدها بعد حرب أوكرانيا.
وقال المحلل باتريك مارتن جينير: "لم يتمكن الروس من إجراء معاملات اقتصادية دولية، منذ العام 2022، ومع ذلك فإن الصادرات الزراعية - خاصة الأسمدة - ضرورية لروسيا من منظور اقتصادي وإستراتيجي".
وتبدو واشنطن راغبة في إعادة موسكو إلى المسار الصحيح في النظام المصرفي الدولي، وهو ما يتبين من بيان البيت الأبيض الصادر في 25 مارس بعد المفاوضات في الرياض.
وينص الاتفاق على أن "الولايات المتحدة ستساعد في استعادة قدرة روسيا على الوصول إلى السوق العالمية للصادرات الزراعية والأسمدة، وخفض تكاليف التأمين البحري، وتحسين الوصول إلى الموانئ وأنظمة الدفع لهذه المعاملات".
وهذا موقف لا يبدو أن الاتحاد الأوروبي يشارك فيه، حيث فرض عدة عقوبات على روسيا في السنوات الأخيرة. ولا يمكن إعادة ربط موسكو بسويفت دون موافقة الدول السبع والعشرين.
ورداً على مطالب موسكو الجديدة، قال مستشار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في إفادة هاتفية مع الصحفيين في 25 مارس إنه "لا توجد عقوبات أوروبية على المنتجات الزراعية الروسية".
وأضاف: "يمكن للروس دائماً أن يشترطوا بشكل انتهازي التقدم الجزئي نحو وقف إطلاق النار برفع بعض العقوبات"، لكن هذه العقوبات تظل "أداة ضغط ضرورية على روسيا".