انشغل الأمريكيون لعقود طويلة في محاولة لـ "فك رموز" الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وقبل يوم واحد من لقائه مع الرئيس دونالد ترامب، في ألاسكا، يحيط الغموض أكثر بزعيم الكرملين المعروف بصعوبة اختراقه من خلال التجسس التقليدي.
ولطالما تباهى ترامب بعلاقته الوثيقة مع بوتين، لكن في الأشهر التي سبقت أول لقاء بينهما منذ ست سنوات، بدأ الرئيس الأمريكي يسأل الأوروبيين ومساعدي البيت الأبيض عن التغييرات التي طرأت على نظيره الروسي.
ويعكس مسار الاستجواب، تزايد إحباط ترامب من بوتين قبيل قمتهما في ألاسكا يوم الجمعة لمناقشة إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، وفق ما ذكرت مصادر مطلعة لشبكة "سي إن إن".
وفي حين كانت هناك بعض المؤشرات على أن أهداف بوتين قصيرة الأجل في أوكرانيا ربما تكون تغيرت، فإن الرأي السائد في مجتمع الاستخبارات الأمريكي أكثر تشككاً.
وقال شخص مطلع على تقييمات الاستخبارات الأمريكية الأخيرة، إن "بوتين يعتقد أنه منتصر، لذا ليس لديه أي مبرر للتراجع"، مضيفاً أن الزعيم الروسي يرى أنه من الأفضل له أن يستحوذ على مكاسبه الحالية، بما في ذلك الأراضي الأوكرانية التي استولى عليها بالقوة.
وتأتي رغبة ترامب في فهم بوتين بشكل أفضل وسط مخاوف أوكرانية وأوروبية من أن البيت الأبيض يتعرض للتلاعب من قبل الكرملين، الذي منح الرئيس الروسي انتصاراً على الساحة العالمية من خلال الموافقة على الاجتماع معه على الأراضي الأمريكية، ودون حضور الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
لطالما كان إدراك نوايا بوتين أمراً صعباً، فزعيم الكرملين، وهو ضابط سابق في جهاز المخابرات السوفيتي، يحافظ على دائرة ضيقة للغاية من المقربين، وليس من الواضح من يستمع إليه في أي وقت، وفقاً لشخص مطلع على تقارير استخباراتية أمريكية حديثة.
وأكسبت عقود من محاولة فكّ رموز بوتين الولايات المتحدة معرفة مؤسسية هائلة به، ومع ذلك، لا تزال وكالات التجسس الأمريكية تُبدي رؤية سيئة للغاية لقراراته اليومية، وفقاً لما ذكره مسؤولون عديدون لشبكة "سي إن إن"، وبذلك يظل الكرملين ما يُطلق عليه مسؤولو الاستخبارات "هدفاً صعباً"، إذ يصعب اختراقه بشكل لا يُصدق من خلال التجسس التقليدي.
رغم ذلك، نجحت الولايات المتحدة في بعض الأحيان في الحصول على معلومات ثاقبة عن خطط بوتين، مثل قراره ببدء الحرب في أوكرانيا عام 2022. وقد ألقت أجهزة استخبارات أجنبية أخرى في ذلك الوقت بظلال من الشك على التحذيرات الأمريكية.
وأعرب ترامب سابقاً عن تشككه في أجهزة الاستخبارات الأمريكية، وخاصة تقييماتها المتعلقة بروسيا، وليس من الواضح مدى اعتماده على تقارير الاستخبارات قبل قمة الجمعة.
وتساءل مسؤول أمريكي مطلع على التحليلات الاستخباراتية الأخيرة عمَّ إذا كان مُقدّمو إحاطات ترامب يعرضون الحقائق الصارخة للوضع؟، بما في ذلك الرأي السائد بأن بوتين يعتقد أن من مصلحته مواصلة الحرب.
ويظل ترامب واثقاً من قدرته على تقييم بوتين شخصياً وبسرعة، وقال يوم الثلاثاء إنه سيعرف بعد "الدقيقتين الأوليين على الأرجح" من اجتماعهما ما إذا كان من الممكن التوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب.
ولكن في حين تساءل ترامب عمَّ إذا كان بوتين تغير، لاحظ آخرون تطوراً في ترامب عندما يتعلق الأمر بتفكيره بشأن الروسي.
وقال مسؤول أمريكي إن "حلفاء أوروبا يقولون إن من تغير هو ترامب، سواء في مستوى راحته في وظيفته أو في فهمه لمن هو بوتين"، مضيفاً أن الرئيس الأمريكي واصل تغيير تفكيره بشأن روسيا منذ توليه منصبه في وقت سابق من هذا العام.
ويأتي النقاش حول التحول المحتمل لبوتين في الوقت الذي كان فيه ترامب في حيرة بشأن سبب عدم قدرته على إقناع بوتين بالموافقة على إنهاء الحرب في أوكرانيا.
ونقلت شبكة "سي إن إن" عن شخص مطلع قوله "يحاول الكثيرون حول ترامب الآن منحه فكرة أن بوتين قد تغير حتى يكون لديه سبب ليقول إنه لم يكن مخطئاً في انطباعه الأولي عندما تولى منصبه بأن زعيم الكرملين رجل طيب".
كما قال مسؤول في البيت الأبيض إن ترامب "فعال في السياسة الخارجية بسبب قدرته على النظر في عيني أي شخص، صديق أو عدو، لإبرام صفقات أفضل لبلدنا أو إحلال السلام في الصراعات في جميع أنحاء العالم".