قالت صحيفة "نيوريوك تايمز"، إن القمة المرتقبة المزمع عقدها في ألاسكا، يوم الجمعة المقبل، بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين ستشكل اختباراً للعلاقة المعقدة بين الرجلين ومدى تأثيرها على الصراعات العالمية، وسط تساؤلات عن نوايا ترامب الحقيقية تجاه روسيا وقدرته على ممارسة ضغوط حقيقية على بوتين.
وأشارت الصحيفة الأمريكية في تقرير نشرته، اليوم الأربعاء، إلى أن عاطفة ترامب تجاه سيد الكرملين ذي القبضة الحديدية، حيّرت الكثيرين في الأوساط السياسية والدبلوماسية على مدار العقد الماضي.
ورغم شكواه الأخيرة من التعنت الروسي ومطالباته بوقف الحرب، امتنع ترامب إلى حد كبير عن توجيه انتقادات لاذعة لبوتين شخصيًا.
وقال محللون متخصصون في العلاقات الأمريكية الروسية إن تصريحات ترامب الأخيرة المليئة بالانزعاج، لا تعكس بالضرورة قطيعة فعلية مع بوتين، على الأقل في الوقت الحالي.
وقالت أنجيلا إي. ستينت، مسؤولة الاستخبارات الوطنية المختصة بروسيا خلال إدارة الرئيس جورج دبليو بوش: "ترامب أعرب عن إحباطه من بوتين وأشاد بزيلينسكي قبل بضعة أسابيع، لكن يبدو أن ذلك قد تلاشى بمجرد إدراكه أن بوتين لن يوافق على أي شيء قبل الموعد النهائي الذي فرضه ترامب لوقف إطلاق النار".
يعود إعجاب ترامب ببوتين إلى سنوات طويلة، قبل توليه الرئاسة، ففي عام 2007، بعد أن اختارت مجلة تايم بوتين شخصية العام، أرسل له رسالة تهنئة حارة كتب فيها: "أنا من أشد المعجبين بك!".
في ذلك الوقت، كان ترامب، الذي طالما طمح لبناء برج يحمل اسمه في موسكو، يعتمد بشكل متزايد على الأموال الروسية لأن البنوك الأمريكية توقفت عن التعامل معه.
عندما أحضر ترامب مسابقة ملكة جمال الكون إلى موسكو عام 2013، أثنى على بوتين علنًا. وكتب على مواقع التواصل الاجتماعي: "هل سيصبح صديقي الجديد؟".
لكن ترامب قدّم روايات متضاربة عن لقاءاتهما قبل حملته الانتخابية للبيت الأبيض. فبعد أن كرر على مر السنين أنه التقى بوتين وكانت تربطه به "علاقة"، تراجع ترامب عن موقفه خلال حملة 2016 بعد أن أصبحت إشكالية سياسية. وقال فجأة: "لم ألتقِ ببوتين قط. لا أعرف من هو بوتين".
منذ عودته إلى البيت الأبيض في يناير، تبنى ترامب سياساتٍ لاقت ترحيبًا في موسكو. فقد كاد يُدمّر إذاعة صوت أمريكا والصندوق الوطني للديمقراطية، اللتين لطالما أثارتا غضب القادة الروس. كما كبح جماح برامج مكافحة التضليل الروسي، والتدخل في الانتخابات، وانتهاكات العقوبات، وجرائم الحرب.
توصل العديد من الخبراء، من الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء، إلى أن رغبة ترامب في بناء علاقة وثيقة مع بوتين تنبع في المقام الأول من السلطة والغرائز الاستبدادية المشتركة، على حد وصفهم.
وقال دانيال تريسمان، الباحث في الشؤون الروسية بجامعة كاليفورنيا: "أعتقد أن بوتين وترامب يدركان أنهما يتشاركان رؤية مشتركة للعالم - نظرة ساخرة، غير عاطفية، تركز على السلطة والمال والأرض".
وأضاف: "يشعران أنهما يفهمان بعضهما بعضاً. يعلم بوتين أن ترامب يرغب في الوقوف إلى جانبه، لكنه شعر مؤخرًا بالتجاهل. لذا فهو مستعد للمجاملة وصرف الانتباه، بعروض للشركات الأمريكية وللمساعدة في مجالات عالمية أخرى".
من جانبه، قال مايكل سي. كيميج، مؤرخ العلاقات الأمريكية الروسية في الجامعة الكاثوليكية الأمريكية، إن "ترامب قد يعتقد أن تعزيز علاقاته مع بوتين يخدم غرضًا استراتيجيًا فمنذ عودته إلى منصبه اعتقد ترامب أنه يستطيع تقليص وتيرة الحرب في أوكرانيا من خلال علاقته الشخصية ببوتين".
وأضاف كيميج: "ترامب لم يُفلح في ذلك، لكن قد يُصرّ على دبلوماسيته الشخصية مع بوتين لأنه "لا يستطيع مقاومة المشهد الإعلامي وفرصة وضع نفسه في المقدمة".
وتابع: "بعد التدخلات الأخيرة لوقف القتال بين تايلاند وكمبوديا وتسوية عقود من النزاع بين أرمينيا وأذربيجان، من المُحتمل أن ترامب يعتقد أنه في حالة نجاح".
لكن سعيه لعقد قمة ألاسكا مع بوتين دون بذل الجهد الدبلوماسي المعتاد المتمثل في المفاوضات على مستوى أدنى والمشاورات المسبقة مع الحلفاء لضمان النجاح، يُحاول ترامب "اتباع أسلوب جديد في العمل الدبلوماسي"، وفقاً لكيميج.
وقال إن ترامب يركز بشكل أساسي على تسوية القضايا العالمية الكبرى مباشرةً مع قادة القوى الكبرى الثلاث: هو نفسه، بوتين، والرئيس الصيني شي جين بينغ.
وأضاف كيميج: "هذا الأسلوب الجديد سيُحوّل معظم العالم إلى متفرجين، وفي الوقت نفسه سيرفع حفنة من القادة - وعلى رأسهم ترامب - إلى مكانة قوية فريدة، إلى نادٍ لكبار الشخصيات من رجال الدولة، يضم في المقام الأول شي وبوتين وترامب".
وتابع: "سيُختبر هذا الدافع يوم الجمعة".