يرى خبراء أن مواقف واشنطن المتقلبة، تضع أوكرانيا تحت ضغط نفسي وإعلامي كبير، في وقت تحاول فيه أوروبا تحقيق توازن بين دعم كييف والحفاظ على مصالحها الإستراتيجية، بينما تستمر الخلافات بشأن الأموال الروسية المجمدة ومسار المفاوضات مع موسكو في الاتحاد الأوروبي.
ففي الوقت الذي عبر فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن غضبه من طريقة تعاطي الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مع مقترحات واشنطن، أصر مبعوثه إلى أوكرانيا كيث كيلوغ على أن السلام أصبح في الأمتار العشرة الأخيرة، رغم استمرار القتال.
وفق للمراقبين، يعتقد ترامب أن زيلينسكي لا يتجاوب مع الخطة الأمريكية بما يكفي، خاصة ما يتعلق بالمناطق التي تسيطر عليها روسيا شرق أوكرانيا.
في المقابل، يحاول مبعوث ترامب كيث كيلوغ تقديم صورة أكثر تفاؤلًا، بعد أم كشف أن السلام أصبح قريبًا جدًا، وكأن الطرفين يقفان على بُعد خطوات من اتفاق شامل.
وداخل القارة العجوز، تحاول الدول الأوروبية لعب دور حاسم في الأزمة، وعلى رأسها فرنسا وألمانيا وبريطانيا، بعد رفضها أي تنازل إقليمي يمكن أن يُفسّر على أنه هزيمة سياسية لها.
وقال محمد العروقي، الخبير في الشؤون الأوكرانية، إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يواصل إطلاق تصريحات متناقضة، لافتًا إلى أن مواقفه تجاه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي تتراوح بين المديح والانتقاد، فيما ينطبق الأمر ذاته على مواقفه من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لكن بدرجة أقل.
وأشار العروقي في تصريح لـ"إرم نيوز" إلى أن هذه المواقف الأمريكية خلقت ضغوطًا إعلامية ونفسية على أوكرانيا، بهدف دفعها لتقديم تنازلات خلال المسار التفاوضي الجاري حاليًا.
وأضاف الخبير أن زيلينسكي كان يجهل حتى وقت قريب التفاصيل الكاملة لاجتماعات الوفد الأوكراني الأخيرة، وكان ينتظر إحاطة من رئيس مجلس الأمن القومي الأوكراني عاميروف، الموجود في بريطانيا، لمعرفة نتائج مباحثات فلوريدا التي وُصفت بأنها معقدة وصعبة.
وكشف العروقي أن اجتماع لندن بين القادة الأوروبيين وزيلينسكي شكّل محطة حاسمة في رسم مستقبل عملية السلام وتحديد مسار الحرب في أوكرانيا، نظرًا لحساسية اللحظة وتعقّد الملفات، مؤكدًا أن الأوروبيين يرفضون التخلي عن أي أراضٍ أوكرانية لصالح روسيا، حتى لا يُفسر ذلك كهزيمة مباشرة لأوروبا وأمنها.
ولفت إلى استمرار الخلافات بين الدول الأوروبية بشأن آلية التعامل مع الأموال الروسية المجمدة، في وقت يواصل فيه الاتحاد الأوروبي البحث عن مصادر دعم إضافية لأوكرانيا.
وأضاف العروقي أن الولايات المتحدة عادت لممارسة ضغوط واضحة على كييف، معتمدة على تقديرات ترجّح أن مصالحها مع روسيا قد تتقدم على مصالحها مع أوكرانيا والغرب، ما عمّق شعور الأوروبيين بخيبة أمل من السياسات الأمريكية أخيراً.
من جانبه، أكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة موسكو، د. نزار بوش، إن المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا لا تشهد أي تقدم فعلي، رغم التصريحات الامريكية، خاصة ما يصدر عن مبعوث الرئيس ترامب كيث كيلوغ الذي يتحدث عن أن السلام "على بعد أمتار قليلة".
وأشار بوش في حديث لـ "إرم نيوز" إلى أن ترامب يسعى إلى تحقيق اختراق تفاوضي قبل نهاية العام ليظهر لجمهوره في أمريكا وأوروبا أن المفاوضات تتحرك إلى الأمام، لكن الظروف الميدانية لا تسمح بوقف إطلاق النار، وذلك مع تعثر المحادثات وتواصل الضغوط على زيلينسكي الذي يقف بين موقف أوروبي يدفعه لقبول بعض البنود، وضغط أمريكي يطالبه بإبداء مرونة أكبر.
وكشف أستاذ العلوم السياسية في موسكو، أن الاتحاد الأوروبي لا يزال يراهن على استنزاف روسيا، فيما يخشى زيلينسكي من أن قبول خطة ترامب قد يبدو كاستسلام، خاصة أنها تتضمن التخلي عن المناطق الأربع التي سيطرت عليها روسيا شرق أوكرانيا.
وأضاف أن الولايات المتحدة لا تستطيع التوصل إلى اتفاق نهائي ما دامت أوكرانيا لم توافق على بنود الخطة، وفي الوقت نفسه يحاول الأوروبيون الحفاظ على ماء وجوههم بعد إنفاق ضخم على الحرب.
وأكد بوش أن استمرار القتال قد يجعل الشروط الروسية أكثر تشددًا، في حين أن قبول الشروط الحالية قد يحد من الخسائر، لافتًا إلى أن الأوروبيين، خاصة بريطانيا وألمانيا وفرنسا، ما زالوا يشكلون العائق الأكبر أمام اتفاق سريع، رغم إدراك باريس أن المواجهة مع روسيا لم تعد مجدية.