لم يكن حديث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عن "قوة روسيا العسكرية"، واعتباره أن "الحديث عن ضمانات أمنية لأوكرانيا سابق لأوانه"، مجرد جملة عابرة، بل تحول إلى صدمة سياسية أصابت كييف والعواصم الأوروبية بالارتباك.
التصريحات الأمريكية جاءت في قلب مشهد دولي، أثناء جلسات الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي أعادت فتح ملف الضمانات الغربية، وأثارت تساؤلات حول مدى التزام واشنطن وحلفائها بدعم أوكرانيا في مواجهة موسكو، لتضع الحرب الدائرة على أبواب مرحلة جديدة مليئة بالشكوك والمفاجآت.
وقال الأكاديمي والدبلوماسي المتخصص في شؤون أوروبا الشرقية، الدكتور ياسين رواشدي، إن فهم طبيعة الأزمة الأوكرانية يستوجب العودة إلى خلفياتها التاريخية، خاصة وأن أوكرانيا ليست مجرد دولة تبحث عن دعم، بل خط الدفاع الأول عن أوروبا.
وأشار لـ"إرم نيوز" إلى أن تنازل أوكرانيا عن سلاحها النووي عام 1994 جاء تحت ضغوط دولية، مقابل وثيقة بودابست التي ضمنت لها حماية في حال تعرضها لأي عدوان، وهو التزام دولي وقعت عليه روسيا والولايات المتحدة وأوروبا.
وأضاف رواشدي أن "الغرب لا يدعم أوكرانيا بدافع التعاطف، بل التزامًا بتعهدات مكتوبة ودفاعًا عن النفس في مواجهة روسيا التي استخدمت القوة واحتلت القرم وأجزاء من الشرق الأوكراني".
وأوضح رواشدي أن دخول ترامب على الملف "بعقلية رجل الأعمال" خلق تناقضات كبيرة، فهو اشترط مقابلًا للدعم العسكري، وسعى للحصول على معادن من شرق أوكرانيا، بينما تكفلت أوروبا بتمويل صفقات السلاح الأمريكي وتسليح كييف.
وتابع أن تصريحات ترامب الأخيرة "تعكس ازدواجية"، فهو من جهة يقول إن أوكرانيا قادرة على الدفاع عن نفسها، ومن جهة أخرى يربط أمن أوروبا بالمال والصفقات.
وأكد رواشدي أن التحرشات الروسية الأخيرة في أجواء إستونيا وبولندا عززت قناعة حلف شمال الأطلسي (الناتو) بأن روسيا خطر مباشر، وهو ما زاد الدعم الأوروبي لأوكرانيا بدلًا من تقليصه.
وتوقع أن تشهد المرحلة المقبلة "بعض الانفراجات" مع اللقاء المرتقب بين وزيري الخارجية الروسي والأمريكي في نيويورك، مشددًا على أن موسكو "لن توقف العمليات العسكرية أثناء المفاوضات"، معتبرة إياها ورقة ضغط سياسي على كييف.
من جانبه، رأى المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية، الدكتور محمود الأفندي، أن ترامب وجه رسائل مباشرة خلال لقائه بالرئيس الأوكراني زيلينسكي والفرنسي إيمانويل ماكرون، مفادها أن الولايات المتحدة ليست طرفًا في هذه الحرب.
وأكد الأفندي، في تصريحات لـ"إرم نيوز"، أن ما يجري قد يكون ثمرة اتفاق غير معلن بين ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، هدفه إنهاك أوروبا سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا عبر حرب استنزاف طويلة.
وأضاف الخبير في الشؤون الروسية أن واشنطن انسحبت عمليًا من المعركة، مكتفية بتقديم ضمانات شكلية، بينما تترك الأوروبيين يغرقون في المواجهة المباشرة مع موسكو.
وأكد أن الحرب لن تنتهي إلا بتحييد أوكرانيا بالكامل، ومنع قيام أي بنية تحتية أو صناعات عسكرية فيها، مشيرًا إلى أن أوروبا كانت تدرك هذه الحقيقة منذ البداية، غير أن تصريحات ترامب "وضعت النقاط على الحروف"، وأكدت ما كان يجري تداوله في الخفاء.
وختم الأفندي بأن ترامب أعطى إشارة إلى خريطة سلام جديدة في شرق أوروبا، خريطة لن يرسمها سوى المنتصر في الحرب، معتبرًا أن هذه الرسالة شكلت صدمة علنية للأوروبيين، رغم أنهم كانوا يعلمون بها مسبقًا.