في ردّ أوروبي جديد على الرسوم الجمركية الأمريكية، طرحتْ المُفوضية الأوروبية نصّ اتفاق اقتصادي واسع مع التكتل الأمريكي اللاتيني المعروف بـ"ميركوسور"، على الدول الأوروبية الأعضاء وعلى البرلمان الأوروبي لنيل الموافقة عليه.
ونال الاتفاقُ أمس، الموافقة النهائية من قبل المُفوضية الأوروبية، وحظي بترحيب خاص من رئيس المجلس الأوروبي "أنتونيو كوستا".
واستمرت المفاوضات الثنائية بشأن الاتفاق 25 سنة ما بين النادي الأوروبي والتكتل اللاتيني الذي يضم بين أعضائه البرازيل والأرجنتين والباراغوي والأوراغوي، ولم يتوصّل الطرفان إلى اتفاق نهائيّ إلا في شهر ديسمبر الماضي.
وفي حال إقرار الاتفاق فإنّ الاتحاد الأوروبي والدول اللاتينية الأربع، ستُسيطران على خُمس الاقتصاد العالمي، وستُوفران منطقة تجارة حرّة هي الأكبر في العالم إذ من المقرر أن تضم 700 مليون مستهلك.
وحسب نصّ الاتفاق، فإنّ إلغاءً متبادلا للرسوم الجمركية على أكثر من 91 بالمئة على السلع والمنتوجات القادمة من الفضائين.
وبمقتضى الاتفاق أيضا فإنّ السوق الأوروبية ستنفتح بشكل تدريجي على المنتوجات الفلاحية اللاتينية، وعلى قطاع الأجبان واللحوم حيث ستجد 99 ألف طن من لحوم الأبقار طريقها إلى الأسواق الأوروبية سنويا بحواجز جمركية ضعيفة (7.5 بالمائة)، أمّا الأرز فسيتدفق على الأسواق الأوروبية سنويا بـ60 ألف طن والعسل بـ45 ألف طن دون حواجز جمركية.
في المقابل فإنّ الرسوم الجمركية لدول "ماركوسور"، ستُلغى تدريجيا على قطاع السيارات والخضروات والنبيذ والشوكولاته والآلات.
وقد تضمن الاتفاق ضمانات لطمأنة الدّول المتوجسة من الاتفاق وعلى رأسها فرنسا والنمسا، من بينها تقييد واردات المنتجات الغذائية والفلاحية من "ميركوسور" بنسبة محدودة من الإنتاج الأوروبي، (1,5 في المئة للحوم الأبقار و1,3 في المئة للدواجن).
وفي الالتزامات البيئية، شددت المفوضية على أنّ الاتفاق ينص على اعتبار اتفاقية باريس للمناخ عنصرا مرجعيا، ما يسمح بتعليق جزء أو كامل الاتفاق في حال عدم الالتزام بها.
وبحسب المفوضية الأوروبية أيضا، فإن الاتفاق الثنائيّ سيمكن من ارتفاع الصادرات الأوروبية السنوية نحو هذه البلدان بنسبة 39 في المئة لتصل إلى نحو 49 مليار أورو.
وعلى الرغم من الضمانات المنصوص عليها في الاتفاق وعلى الرغم أيضا من الارتياح النسبي الذي أبدته الناطقة باسم الحكومة الفرنسية صوفي بريماس، وإكبارها عاليا لاستجابة الاتحاد الأوروبي لتحفظات واحترازات بلادها حيال الاتفاق الأوليّ، فإنّ غضبا برلمانيا فرنسيا ونقابيا أوروبيا اشتدّ بمجرد الإعلان عن موافقة المفوضية الأوروبية على الاتفاق، ما قد يدفع الرئيس إيمانويل ماكرون إلى رفض الاتفاق، في ظل الأزمات السياسية المتراكمة وفي ظلّ أيضا الإضراب العام الذي من المقرر أن تعيشه فرنسا يوم العاشر من سبتمبر الجاري.
نقلت جريدة "لوموند الفرنسية" عن حزب التجمع الوطني (أقصى اليمين) اعتباره إمكانية تغيير الرئيس ماكرون موقفه من الاتفاق "خيانة موصوفة"، فيما دعا حزب "فرنسا الأبية" (أقصى اليسار) إلى تعبئة عامة ضدّ الاتفاق.
في السياق نفسه، نددت نقابة الفلاحين الأوروبيين بالاتفاق معتبرة إياه "دخولا سياسيّا بقوّة" من قبل المفوضية الأوروبية، مؤكدة أنّ المعركة ضدّ الاتفاق لا تزال متواصلة.
حيث من المقرر أن تشهد العاصمة البلجيكية بروكسيل تحركا وتعبئة من نقابات الفلاحين الأوروبيين، اليوم الخميس.
وفي بروكسيل أيضا، وعد النائب الفرنسي في البرلمان الأوروبي باسكال كانفان بمبادرة عابرة للأحزاب لتعليق المصادقة على الاتفاق، وذلك بسبب غياب ما سماها بـ"الشفافية والضمانات الواضحة".
وتؤكد مصادر أوروبية أنّ فرنسا لا يمكن لوحدها إلغاء الاتفاق، حيث من الضروري أن تجمع معها 4 دول أوروبية أخرى على الأقل، من الذين يُمثّلُون 35 بالمئة من سكّان الاتّحاد الأوروبي، فيما يحتاج الاتفاق إلى موافقة 15 دولة على الأقل من أصل 27 دولة أوروبية، إضافة إلى إقرار البرلمان الأوروبي، قبل اعتماده رسميا.
ومنذ بداية الأزمة المتصاعدة ما بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، حول الرسوم الجمركية على السلع، والنادي الأوروبي يبحث عن بدائل اقتصادية حقيقيّة.
حيث يُنظر لهذا الاتفاق، كردّ اقتصادي واستراتيجي على السياسة الحمائية الأمريكية وعلى قراراتها الأخيرة بترفيع الرسوم الجمركية على السلع الأوروبية.
وتقود ألمانيا هذا الجهد الاقتصادي الأوروبي لتنويع الشراكات الاقتصادية بعيدا عن الولايات المتحدة الأمريكية، في عهد إدارة الرئيس ترامب على الأقلّ.