مسيّرة تستهدف سيارة على طريق بلدة مركبا جنوبي لبنان

logo
العالم

"استراتيجية الأرخبيل".. كيف حوّل المتشددون باماكو إلى جزيرة معزولة؟

العاصمة المالية باماكوالمصدر: (أ ف ب)

تتعرض العاصمة المالية باماكو لضغوط غير مسبوقة في واحدة من أخطر مراحل الصراع المستمر منذ أكثر من عقد، بعد أن صعّد تنظيم جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" المرتبط بتنظيم القاعدة وتيرة عملياته عبر فرض حصار جزئي على الطرق الحيوية المغذية للمدن الكبرى.

وانتقلت الجماعة، التي وسّعت حضورها خلال السنوات الماضية في المناطق الريفية، اليوم، إلى مستوى مختلف من المواجهة، مستهدفة شريان الاقتصاد المالي عبر حرمان العاصمة من احتياجاتها الأساسية، خصوصاً الوقود.

إضعاف السلطة الحاكمة

وفي تقرير مطوّل نشرته مجلة "جون أفريك"، فإن الجماعة المتشددة تنفّذ منذ مطلع سبتمبر استراتيجية ممنهجة لإطباق الطوق على باماكو، عبر تعطيل إمدادات المحروقات وتكبيد الاقتصاد خسائر متسارعة.

كما انتشرت خلال الأسابيع الماضية صور عشرات الشاحنات المحترقة على الطرق المؤدية إلى الجنوب والغرب، في حين امتدت طوابير السيارات الخالية من الوقود أمام محطات التزوّد مئات الأمتار، وتوقفت حركة النقل داخل العاصمة إلى حد كبير، ما جعل المدينة تعيش حالة شلل جزئي لم تشهدها منذ اندلاع الحرب عام 2012.

ورغم تحذيرات عدد من السفارات الغربية التي دعت رعاياها إلى مغادرة مالي "فوراً" أواخر أكتوبر، يؤكد محللون أن هدف الجماعة ليس اقتحام العاصمة بقدر ما هو إضعاف السلطة الحاكمة بقيادة العقيد أسيمي غويتا، ودفعها نحو أزمة سياسية داخلية عبر تجفيف مواردها وخنق اقتصادها

وأكد التقرير أن الهجمات التي ينفذها مقاتلو جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" لا تزال تعتمد على أسلوب الضربات المفاجئة والكمائن وحرق الشاحنات، دون مؤشرات على نية خوض معركة مباشرة للسيطرة على مدينة تضم أكثر من 4 ملايين نسمة. 

أخبار ذات علاقة

طوابير أمام محطة وقود في باماكو عاصمة مالي

من باماكو إلى تمبكتو.. كيف يتغيّر المزاج الشعبي تجاه السلطة في مالي؟

قوانين وإملاءات الجماعة

ومع ذلك، لا تخفي التطورات الحالية حجم التهديد المتنامي، فالقوات المسلحة المالية، المدعومة بطائرات مسيّرة تركية وعناصر من المقاتلين الروس، تملك من حيث العدد والتجهيز قدرة كبيرة على الدفاع، إلا أنها تواجه توسعاً جغرافياً سريعاً للجماعة، التي باتت تسيطر فعلياً على مناطق واسعة في الوسط والشرق والجنوب، حيث اختفى الوجود الحكومي تقريباً.

ويفرض المسلحون قوانينهم في قرى تمتد من نيومينا إلى محيط سيغو، ويجبرون السكان على دفع الزكاة أو الامتثال لإملاءات التنظيم، بينما تغلق المدارس والإدارات أبوابها وتفرغ القرى من موظفي الدولة.

وتعتمد الجماعة على ما يصفه الباحثون بـ "استراتيجية الأرخبيل"، التي تقوم على محاصرة المدن الكبرى عبر قطع الطرق الواصلة بينها وتحويل محيطها إلى نقاط سيطرة متناثرة، بحيث تبدو المراكز الحضرية أشبه بجزر معزولة داخل بحر واسع من النفوذ المسلح.

وبحسب محللين، فإن إعلان الجماعة في وقت سابق عن "مرحلة جديدة من استهداف المدن" يفسّر هذا التحول الواضح نحو الضغط الاقتصادي بدل المواجهات العسكرية المباشرة.

وأدى إحراق مئات الشاحنات إلى تعطيل سلاسل التوريد لأكثر من أسبوعين، ما شلّ قطاع النقل وهدد إمدادات الكهرباء ومشاريع التعدين، وأجبر الحكومة على إغلاق المدارس والجامعات مؤقتا.

كما اضطرت شركات نقل دولية، بينها كبرى خطوط الشحن، إلى تعليق خدماتها بين الموانئ الساحلية وباماكو، ما عمّق عزلة العاصمة عن محيطها الإقليمي.

ورغم هذه الضغوط، لم تشهد البلاد احتجاجات واسعة ضد السلطة، إذ يخشى السكان الدخول في مواجهة مع السلطة العسكرية أو الجماعات المسلحة.

بدورهم، يرى محللون أن المواطنين يعتمدون "الصمت الحذر" كأقل الخيارات خطراً، في ظل شعور عام بأن أي اعتراض واسع قد يستغل لإشعال وضع أكثر خطورة.

وشددت "جون أفريك" على أنه رغم  نجاح بضعة قوافل وقود، مرافَقة بطائرات مروحية روسية، في دخول باماكو خلال أكتوبر ونوفمبر، فإن الكميات تبقى بعيدة عن المعدل المطلوب لتشغيل المدينة، والمقدّر بـ50 إلى 300 شاحنة يومياً.

عمليات ابتزاز متزايدة

ويؤكد عاملون في قطاع المحروقات أن الانفراج الأخير "مؤقت" ولا يعكس تراجعاً في قدرات الجماعة التي كثّفت عملياتها لابتزاز القرى وفرض الضرائب غير القانونية وجمع موارد مالية ضخمة، خصوصاً بعد حصولها على فدية كبيرة قُدرت بأكثر من 50 مليون يورو في صفقة تبادل رهائن خلال أكتوبر.

وتشير تقديرات أمنية من دول الجوار إلى زيادة التوتر قرب الحدود الإيفوارية، مع تسجيل حركة لجوء "غير اعتيادية"، الأمر الذي دفع ساحل العاج إلى تعزيز المراقبة العسكرية على خطوطها الأمامية.

وتتعامل أبيدجان مع الوضع باعتباره تهديداً مباشراً، لا سيما مع استضافتها آلاف الهاربين من مناطق الاشتباك في مالي.

وأشار تقرير المجلة الفرنسية إلى أنه "بينما تتوسع عمليات الجماعة ويتجدد نشاط جيل جديد من قادتها الأكثر تشدداً، تبدو باماكو أمام اختبار قاسٍ لقدرة الدولة على الحفاظ على استقرارها الاقتصادي والسياسي، في وقت يتحول فيه الصراع من معارك جغرافية إلى معركة بقاء لمؤسسات الدولة نفسها". 

أخبار ذات علاقة

عناصر من الجيش المالي يلاحقون العناصر المتشددة

خنق باماكو يتواصل.. حصار القاعدة يصل تمبكتو ومالي على حافة الانفجار

logo
تابعونا على
جميع الحقوق محفوظة © 2025 شركة إرم ميديا - Erem Media FZ LLC