بينما تضغط إيران على الدول لمقاومة سريان العقوبات التي تفرضها الأمم المتحدة، تتطلع بشكل خاص إلى الصين وروسيا لتخفيف تأثير العقوبات، حتى مع بقاء التساؤلات حول حدود استعدادهما للتحرك، في اختبار حاسم لسياسة طهران الخارجية.
وتهدف إستراتيجية طهران، وفق تقرير لموقع "المونيتور" إلى الاستفادة من الثقل السياسي والاقتصادي للصين وروسيا لتقليل تأثير "آلية الزناد"، بعودة العقوبات الغربية، وفرض أخرى جديدة من قبل مجلس الأمن، رداً على انتهاكات إيران للاتفاق النووي لعام 2015، المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة.
ويزعم المسؤولون الإيرانيون أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لا يستطيع إعادة فرض العقوبات، نظراً لانسحاب واشنطن من الاتفاق النووي في 2018.
وأشار وزير الخارجية إيران، عباس عراقجي، إلى دعم الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي المعارضين لإعادة العقوبات، وتحديداً روسيا والصين، باعتباره تعزيزاً لموقف بلاده.
ولا تُصوّر طهران ردّها على أنه مجرد احتجاج دبلوماسي، بل موقف قانوني وإستراتيجي، مؤكدة عزمها على تحدي الأحادية الغربية، ويكمن جوهر هذه الإستراتيجية في اعتماد طهران على بكين وموسكو.
من الناحية النظرية، يمكن للصين وروسيا مساعدة إيران في التحايل على العقوبات من خلال رفض تنفيذ القرارات التي أعيد فرضها، وعرقلة عمل لجنة 1737، التي تراقب تنفيذ عقوبات الأمم المتحدة على إيران، وتقويض لجنة الخبراء 1929، المكلفة بالتحقيق في الانتهاكات، وعرقلة أو إضعاف التدابير الجديدة التي قد يتخذها مجلس الأمن.
ومع ذلك، يبدو أن الواقع أكثر تعقيداً، وفق "المونيتور"، فبينما أعربت الصين وروسيا باستمرار عن دعمهما لموقف طهران، إلا أنهما لم تؤكّدا صراحة رفضهما الاعتراف بالالتزامات التي فرضتها القرارات الستة المُعاد العمل بها خلال مناقشات مجلس الأمن اللاحقة.
قد تكون رغبتهما في مقاومة العقوبات بفاعلية محدودة لأسباب عملية، فكلا البلدين يحافظان على علاقات اقتصادية ومالية وثيقة مع الولايات المتحدة وأوروبا، وهما بالفعل خاضعان لعقوبات. حتى بكين، رغم شراكتها الإستراتيجية مع إيران، عليها أن توازن بين التزامها بالمعايير متعددة الأطراف ومصالحها التجارية مع واشنطن ورغبتها في حماية المصالح الاقتصادية والبرامج العسكرية الإيرانية.
لكن توقعات طهران من الصين وروسيا "طموحة"، فإيران لا تسعى فقط إلى دعم قانوني، بل أيضاً إلى إجراءات ملموسة من شأنها التخفيف من تأثير العقوبات على أسلحتها التقليدية وبرامجها الصاروخية وتعاونها النووي وتجارتها.
مع ذلك، من المرجّح أن يقتصر هذا الدعم على العرقلة الدبلوماسية، مثل تأخير أعمال اللجنة أو توفير غطاء سياسي، بدلاً من توفير درع اقتصادي قوي. حتى عندما قدمت الصين وروسيا دعماً قانونياً ودبلوماسياً في الماضي، تجنبتا الخطوات التي من شأنها تعريضهما مباشرةً لعقوبات أمريكية ثانوية أو زعزعة الأسواق العالمية، التي يستثمران فيها بكثافة.
تهدف دعوة إيران للدول إلى مقاومة تطبيق إجراءات "آلية الزناد" إلى تحدي النظام الدولي الذي يقوده الغرب، ومن خلال استغلال الغموض القانوني وحشد الدعم من الصين وروسيا، تسعى طهران إلى نزع الشرعية عن التطبيق الأحادي، مع ترسيخ مكانتها كمدافع عن المبادئ متعددة الأطراف في مواجهة ما تعتبره تلاعباً سياسياً غربياً.
وتشير هذه الإستراتيجية أيضاً إلى الجماهير المحلية والإقليمية بأن إيران قادرة على إثارة المقاومة الدبلوماسية على الرغم من ضغوط العقوبات المتجددة، وأنها تظل ذات سيادة في سياساتها النووية والدفاعية.
ووصف السفير الإيراني السابق لدى المملكة المتحدة، جلال ساداتيان، الوضع الحالي بأنه نقطة تحول دبلوماسية..
وفي مقابلة نشرتها صحيفة "هميحان" الإصلاحية يوم الأحد، أشار إلى أنه مع تفعيل "آلية الزناد"، لم تعد إيران تواجه الولايات المتحدة وإسرائيل فحسب، بل المجتمع الدولي بأسره.
ووفقاً للدبلوماسي السابق، قد يكون الضغط الناتج أشد مما كان عليه خلال الأزمات السابقة، مثل حرب الـ 12 يوماً مع إسرائيل، حيث تواجه إيران، الآن، عقوبات متعددة الأطراف.
تسعى إيران، أولاً، إلى الحفاظ على برامجها النووية والصاروخية مع الحفاظ على نفوذها الاستراتيجي في التفاعلات الدبلوماسية الجارية بين الولايات المتحدة وإيران، فيما تهدف ثانياً إلى اختبار عزيمة الصين وروسيا وحدودهما كشريكين قادرين على تقديم دعم فعّال.
وستُشير ردود بكين وموسكو إلى حدود استعدادهما لمواجهة العقوبات الغربية، حيث تُقيّمان التحالف الإستراتيجي مع طهران في مواجهة التداعيات المحتملة على علاقاتهما الاقتصادية والدبلوماسية مع أوروبا والولايات المتحدة.
وفي محاولة لموازنة مصالحهما، قد تقدم روسيا والصين لإيران الدعم الرمزي، كتوفير غطاء سياسي، والسعي إلى تأخير فرض العقوبات، ودعم طهران في المنتديات المتعددة الأطراف، بدلاً من حمايتها بالكامل من العواقب الاقتصادية والإستراتيجية.